نافذة على الصحافة

مبادرة إيرانية في الشمال




تستغل إيران علاقاتها مع دمشق وأنقرة لردم ما أمكن من الخلافات وتجنيب المنطقة تصعيداً إضافياً، فبعد أربعة أيام من زيارته إلى تركيا حطت طائرة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في دمشق بغية التأسيس لحوار جدي وفاعل يفضي لاحقاً إلى مصالحة شاملة بين الجارتَين.

ورأى أيهم مرعي في مقال نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية أن هذه الزيارة جاءت أيضاً في سياق الجهد الإيراني المبذول، منذ بدء أنقرة تهديداتها بإطلاق عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، والدعوة إلى سلك الطرق الدبلوماسية، لتجنّب التصعيد في هذه المنطقة.

وقال مرعي: عمدت الجمهورية الإسلامية إلى تحويل التصريحات إلى وقائع على الأرض، من خلال الدخول كوسيط علني بين دمشق وأنقرة على خط تطورات الشمال الأخيرة، وقيادتها جهداً دبلوماسياً لمنع أي تصعيد عسكري جديد، خاصة وسط ارتفاع مؤشرات قرب إطلاق العملية التركية، والدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة للاحتلال التركي والمرتزقة التابعين له، والتي وصلت إلى خطوط التماس مع كل من تل رفعت ومنبج الواقعتَين في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتعمل طهران على استثمار توجهات أنقرة الجديدة، والتي تريد عقد مصالحة مع كل الدول التي كانت تناصبها العداء.

وتابع الكاتب: من هنا حرص عبد اللهيان على إظهار هذا الجهد إلى العلن، من خلال التصريحات التي أدلى بها حتى قبل مغادرة طائرته العاصمة طهران، إذ أكد أن "جزءاً من زيارته إلى دمشق يهدف إلى إحلال السلام والأمن في المنطقة بين سورية وتركيا"، ليعطي مؤشراً إلى دور إيراني يلعب بالفعل للوساطة بين دمشق وأنقرة على أكثر من اتجاه، مع سعي إيراني لمعرفة هواجس كل طرف، وتقريب وجهات النظر بينهما، وربّما حرص الدبلوماسي الإيراني على استخدام عبارة "الأمن والسلام" بين البلدين، في إشارة إلى ضرورة تحريك المياه الراكدة بين الجارتَين، ومعرفة مدى إمكانية تحقيق المصالحة بينهما، وذلك عبر اختبار جدية الطرفين في خوض حوار لبدء ردم هوة الخلافات الكبيرة بينهما تدريجياً، وإنهاء الجفاء المستمر منذ أكثر من عقد.
وأضاف الكاتب: هدفت هذه التصريحات التمهيدية إلى معرفة وجهة نظر القيادة السورية بالنسبة إلى الوساطة الإيرانية، ومدى استعداد دمشق للانخراط بأي جهد دبلوماسي بين البلدين، وهو ما يمكن استخلاصه من الرد الحكومي "المرحب" بالمبادرة، والمتمسك توازياً بالتأكيد أن تركيا دولة محتلة لأجزاء من الأراضي السورية، وأن لها أطماعاً عسكرية في هذا البلد، وظهر هذا الموقف بشكل واضح من خلال اعتبار الرئيس الأسد "الادعاءات التركية باطلة ومضلّلة ولا علاقة لها بالواقع، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وروابط حسن الجوار التي يفترض أنها تجمع بين البلدين الجارين"، والظاهر أن السوريين يريدون انتزاع تعهدات من تركيا بالاستعداد للخروج من كل الأراضي التي يحتلونها، في مقابل الخوض في مسار المصالحة والتسوية بين البلدين، واعتبار ذلك من الثوابت الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها مطلقاً، وعليه، فإن الحديث عن مبادرة إيرانية شاملة لحل الخلافات المتراكمة بين البلدين، على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية وحتى الشخصية غير واقعي ومبالغ فيه.


وختم الكاتب: تريد طهران في الغالب استغلال التطورات الحالية في الشمال السوري، للحصول على إجراءات من كلا البلدين، يمكن التأسيس عليها لاحقاً، من خلال طرحها تطبيق "اتفاقية أضنة" بين البلدين، التي ستؤدي إلى نشْر الجيش السوري في المناطق المهددة بالاعتداء، ومع ذلك لا يمكن إغفال أن المبادرة الإيرانية قابلة للعرقلة الأميركية في أي لحظة، وذلك من خلال حث واشنطن لميليشيا "قسد" على التمسك بخيار عدم الانسحاب العسكري من منبج وتل رفعت، أو تسليم المنطقتَين إدارياً وعسكرياً إلى الدولة السورية، وهو ما من شأنه أن يعقد المهمة الإيرانية، ويجعل تطبيقها أمراً صعباً.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=86473