الحدث السياسي

خفایا استقالة الأخضر الابراهيمي من الملف السوري


سناء علي

يبدو أن المبعوث الأممي السابق إلى سورية الأخضر الابراهيمي قد شعر بانتهاء الدور الذي كان يلعبه في الملف السوري وخرج منه دون أن يحقق النصر الذي كان يرغب بتسجيله باسمه شخصياً، بغض النظر عن عنوان ذلك النصر لكن خيوط الحل التي بدأت تلوح في الأفق قد أفرغت جعبة الابراهيمي عن آخرها.
لا أدري إن كان من المناسب استخدام تعبير "استبعاد الابراهيمي" عوضاً عن استقالته فبعد أن قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون استقالة الأخضر الإبراهيمي، وصف الأخير الوضع في سورية بأنه صعب جداً، لكنه غير ميؤوس منه، ورفض تحديد أولويات لخلفه بخصوص الوضع السوري، لكنه أشار الى أنّ بيان جنيف يبقى في صلب جهود السلام.
جنيف الذي فشل في جولتين ولا ترتسم أي ملامح مبشرة لنجاح أو حتى انعقاد قريب لجولة ثالثة منه لا يزال يشكل للابراهيمي بشارة حل في الوقت الذي لا تزال معارضة الخارج تتمسك برفضها الذهاب الى جولة ثالثة إذا ما بقيت انتخابات الرئاسة على موعدها، وهذا ما أكدته دمشق إلى الآن.
في آخر إفادة للابراهيمي لأعضاء مجلس الأمن الدولي يوم 13 أيار/ مايو الجاري كان قد أعلن أن إيران يمكن أن تؤدي دوراً مهما لإنهاء الصراع في سوريا كاشفاً عن خطة تقدمت بها إيران للوصول إلى حل في سورية، وتتضمن الخطة حسب إعلان"الإبراهيمي"، أربعة نقاط أهمّها تأجيل الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومراجعة الدستور السوري، لكن الأخضر الإبراهيمي عاد وأشار عقب إعلان استقالته من منصبه إلى عدم صلاحية الخطة الإيرانية في الوقت الحالي، دون ذكر الأسباب.
مالم يصرح به الإبراهيمي هو أن الخطة أساساً عبارة عن ست نقاط وليس أربعة فقط، تشمل إضافة للبنود التي سبق ذكرها، وقف إطلاق النار وإيصال مساعدات متوازنة للمناطق من قبل الأمم المتحدة والصليب الأحمر وهذه البنود قد تحققت نسبياً والتزم الجانب السوري فيها في أكثر من مناسبة ومنطقة.
ما الذي جرى في الكواليس ..على أي وتر لعب الإبراهيمي وعلى ماذا كان الرهان الأخير قبل الاستقالة وبما أنه وجد في مقترح إيران بادرة خير لماذا لم يتمسك بمهمته ؟؟
قبل الابراهمي المهمة الأخيرة وقد خُيّل إليه أن إيران قد بدلت من موقفها وستوافق على فرض طائف سوريّ يكون عرّابه الابراهيمي، الإيرانيون والسوريون كانوا يشترون الوقت مدركين تماماً لحجم الوهم الذي يعيش فيه الابراهمي، وشاركوه اللعب بلغة ديبلوماسية مختلفة تماماً، لغة تلائم مصطلحات المجتمع الدولي، في الوقت الذي كان الميدان يفرض لغته ويبدل من خارطة المعطيات في الأزمة التي دخلت عامها الرابع.
أصبح من الواضح جداً أن إيران كانت تستثمر جهود الإبراهيمي في عقد مجموعة من التسويات والمصالحات من تحت الطاولة مع بعض قوى المعارضة باعتباره وسيطاً يستطيع إيهام من يأمرونهم في واشنطن والرياض بأنه قادر على تحييد بوصلة إيران عن سورية، وجرهم إلى تسويات كان آخرها اتفاق حمص القديمة الذي أخُرج فيه عدد كبير من مسلحي المدنية معظمهم من جنسيات أجنبية، تلاها التحضير لتسوية مشابهة في الوعر، كما قلبت التبدلات الميدانية وعمليات الحسم العسكري التي يحققها الجيش السوري الطاولة على مخططات الغرب في حرب استنزافهم الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية المقرر خوضها في الثالث من حزيران/ يونيو الشهر القادم.
نعم وقع الابراهيمي في الفخ ولا "طائف سوريّ" وإيران لم تبدل موقفها وقرار الانتخابات شأن سيادي سوريّ لم يكن يملك الابراهيمي الحق في النقاش أو حتى إبداء الرأي فيه، ومقترح إيران بشأن التأجيل واضحٌ تماماً ومصطلح التأجيل يبدو ضبابياً للوهلة الأولى فهي لم تحدد مدة زمنية للتأجيل الذي يمكن أن تقبل به دمشق- في حال قبلت -...
جاء الردّ السوريّ واضحاً على قرار الاستقالة التي لم يكفّ الابراهيمي عن التلويح بها في الآونة الأخيرة كنوع من التهويل في المشهد العام، والتزمت دمشق مبادئها وثوابتها حتى ولو خسرت جهود الابراهيمي الذي اعترف بارتكابه أخطاء لم يحدد نوعها أثناء تأدية مهمته، واصفةً اعترافه عبر مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن بشار الجعفري بالخطوة الشجاعة، والذي اعتبر بدوره أن الخطوة جاءت متأخرة، ومؤكداً أن اعتذار الدول التي تورطت في الأزمة السورية لن يكون كافياً، وإن على هذه الدول أن تدفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقتها بسورية، متهماً في الوقت نفسه كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر بارتكاب أخطاء عبر تدخلها في الشأن السوري، واكد أن على هذه الدول أن تتحمل مسؤولية الدماء التي سفكت في سورية، هذا ما يؤكد عدم أسف دمشق لمغادرة الابراهيمي وعزمها على البحث عن سبل للخلاص من هذه الأزمة بما يضمن عدم خسارتها لموقعها وسيادتها كدولة.
تبقى كل تلك تحليلات ومحاولات لحل لغز الاستغناء عن خدمات الابراهيمي وحده الوقت كفيل بكشف صحتها من عدمه.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=1&id=8624