نافذة على الصحافة

عالم جديد فأين العرب؟


بينما يترقب العالم نتيجة الحسم العسكري في أوكرانيا، هناك صياغات جديدة في عالم اليوم، فزلة لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عندما قال: "قرار رجل واحد لشن غزو وحشيّ غير مبرّر للعراق... آه... أقصد لأوكرانيا" -وكما تراها بثينة شعبان المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية في مقال نشره موقع قناة الميادين- لم تكن لتحدث في ظروف أكثر مواءمة وخدمة لما تحاول الصين وروسيا أن تؤكداه، وسط أحداث متسارعة ومعقدة.

 

وقالت شعبان: بدلاً من أن يستنكر القرّاء والمشاهدون كل القرارات الأحادية والحروب غير الشرعية التي شنّتها الولايات المتحدة على الشعوب الآمنة في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن، فقد أتت زلّة لسان جورج بوش الابن، المسؤول هو وأبوه عن مقتل الملايين من المدنيين العراقيين حصاراً وقتلاً وإرهاباً ووباءً، لتكشف ما حاول هو وإدارته والإدارات السابقة واللاحقة أن يخفوه، وبرهن (ولتبرهن) أنه يسكن في "لا وعيهم" من غزو ظالم وغير مبرر للعراق، ما زال الشعب العراقي يدفع ثمنه في كل يوم من حياة أبنائه، كما أنّ عمليات النهب الأميركية للموارد العراقية والليبية والسورية جريمة تطال لقمة عيش جميع أبناء الشعب العربي في هذه البلدان، لأن هذا النهب الاستعماري لموارد الشعب السوري واحتلال أرضه وسرقة نفطه وقمحه قد تمثّل زلّات لسان لرؤساء ومسؤولين أميركيين في المستقبل، ولكنه (ولكنها) جريمة إبادة جماعية لما سببه (سبّبته) من آلام وموت للمدنيين المحاصرين.

 

وأضافت شعبان: إذا كان اجتماع وزارة الخارجية الروسية قد ناقش مهام السياسة الخارجية الروسية في ضوء الحقائق الجيوسياسية المتغيرة جذرياً، فإن هذه الحقائق قد تغيّرت بالنسبة إلى العرب منذ وعد بلفور وسايكس بيكو واحتلال فلسطين من قبل عصابات الإرهاب الصهيونية، ومنذ غزو العراق وقصف ليبيا، وشنّ حرب إرهابية على مدى عقد ونيّف على سورية، وتدمير حياة المدنيين العرب في اليمن، ومع ذلك لم يعقد العرب اجتماعاً واحداً لدراسة الوضع المستجد حيالهم، ودراسة الخطوات التي يمكن اتخاذها لحماية أنفسهم من سياسة التشظّي وتفتيت البلدان والشعوب إلى طوائف وأعراق وإثنيات على حساب اللُحمة الوطنية المنشودة، وهي سياسة فرّقْ تسُدْ الاستعمارية التي تستهدف العرب جميعاً.

 

وتابعت شعبان: إنّ النقاش الدائر في روسيا والصين يُري أن البلدين يدركان أن العالم قد تغيّر، وأن لا عودة تُرتجى إلى عالم ما قبل الـ 24 من شباط، وهو تاريخ انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولذلك فإنهما منشغلان بوضع المرتسمات الجديدة لعالم ما بعد اليوم وعالم المستقبل، وفي هذه المرحلة المفصلية بتشكُّل عالم جديد وسعي الأطراف في الشرق لأن تكون فاعلة في تشكيل هذا العالم، لاقتناعهم بأنّ أسس الهيمنة الغربية آيلة إلى الزوال، وأنها أصبحت مرفوضة وغير قادرة على الاستمرار، وأنها تخوض معركة منازعة أخيرة مهما بدت أنها طويلة اليوم، ولكنها ستكون الأخيرة- يهدّد العرب جميعاً خطران أساسيان، إضافة إلى خطر الصهيونية الجاثمة على ضمير الأمة وأرض فلسطين والجولان، ألا وهما: الخطر العثماني الإخواني، وخطر أن لا يجد العرب لأنفسهم موطئ قدم إذا ما استمروا في حالة الفرقة والتشظّي التي يعيشونها اليوم، والتي لا يبدو أن هناك جهداً حقيقياً وواعداً للتخلص منها. فالخطر العثماني الإخواني اليوم حقيقي على سورية والعراق وليبيا، حيث يحتل الأرض ويقيم القواعد وينشر لغته وثقافته وأكاذيبه وعملاءه من إخوان الشياطين، ويُلبس هيمنته لبوس الحرص على اللاجئين أو المسلمين أو محاربة التنظيمات الكردية، وهو لبوس لا يقل خطراً علينا جميعاً من وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو.

 

وختمت شعبان: صحيح أن العيون تتّجه إلى أوكرانيا لمعرفة نتيجة الحسم العسكري بين روسيا وحلف الناتو العدواني هناك، ولكن ما يجري بالتوازي من إعادة تشكُّلات وصياغات في عالم اليوم قد يكون هو الأهم، لأنه هو الذي يُرسي أسس العالم الجديد وشكله، وسوف تكون الغلبة، ولا شكّ، لمن يخطط ويفكّر من اليوم أو من البارحة، أين سيكون تموضعه في هذا العالم.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=85492