وجهات نظر

من يحاسب مجرمي الحرب الأمريكيين؟

سمر سامي السمارة


رداً على تقرير يفيد بأن مجلس الشيوخ الأمريكي يقدّم مشروع قانون من شأنه أن يمنح المحاكم المحلية الولاية القضائية العالمية لمحاكمة الأشخاص المتهمين بجرائم حرب، تساءل منتقدو السياسة الخارجية الأمريكية عما إذا كان الإجراء سيُطبق أيضاً على الأمريكيين الذين نادراً ما يتمّ تقديمهم إلى العدالة بعد ارتكاب جرائم حرب.

 

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، وافق أعضاء مجلس الشيوخ البارزون من كلا الحزبين على مشروع قانون لتوسيع قانون جرائم الحرب لعام 1996، حيث يُسمح لوزارة العدل الأمريكية بمحاكمة مجرمي الحرب المشتبه بهم، ممن يدخلون الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن مكان وقوع جرائمهم المزعومة، على الرغم من أن القانون ينطبق فقط على الأمريكيين الذين يرتكبون جرائم حرب.

 

وقد غرّد جوناثان هافيتز، أستاذ القانون بكلية الحقوق في سيتون هول، ساخراً: “لقد اكتشفت الولايات المتحدة الولاية القضائية العالمية”. فلطالما عارض زعماء كلا الحزبين الولاية القضائية العالمية، بسبب مخاوفهم من إمكانية استخدام هذا المبدأ لمقاضاة المسؤولين الأمريكيين عن الغزوات غير القانونية، والتعذيب وقتل المدنيين وجرائم أخرى.

 

وفي بيان أدلى به رئيس السلطة القضائية في مجلس الشيوخ ديك دوربين، قال: “يجب محاسبة الجناة الذين يرتكبون جرائم حرب لا توصف، مثل تلك التي تتكشف أمام أعيننا في أوكرانيا، ولدينا القوة والمسؤولية لضمان عدم اتخاذ الولايات المتحدة كملاذ آمن لمرتكبي هذه الجرائم الشنيعة”.

 

ومع ذلك، فقد قدّمت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة الملاذ الآمن لمجرمي الحرب، خاصة أولئك الذين درّبتهم أو دعمتهم الولايات المتحدة. ووفقاً لـ لي كارتر، وهو عضو سابق في مشاة البحرية الأمريكية، وعضو ديمقراطي في مجلس النواب في فرجينيا، فإن الولايات المتحدة لا تنظر حتى في قضايا جرائم الحرب عندما يكون المتورطون فيها من الأمريكيين. وفي إشارة إلى قانون حماية أعضاء الخدمة الأمريكية، وهو قانون عام 2002 الذي لا يمنع فقط الولايات المتحدة من مساعدة المحكمة الجنائية الدولية، ولكنه يفوّض الرئيس أيضاً باستخدام  ما يُسمّى “جميع الوسائل الضرورية والمناسبة” لتأمين الإفراج عن الأمريكيين أو الحلفاء المحتجزين من قبل محكمة لاهاي أو بالنيابة عنه، أضاف كارتر، لقد تمادوا لدرجة التصريح المسبق بغزو هولندا إذا حاولت المحكمة العالمية مقاضاة جرائم الحرب الأمريكية.

 

أدّت القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية إلى عدم إمكانية المشاركة بشكل أكبر في جهود المحكمة لمقاضاة مجرمي الحرب، فضلاً عن تمتّع الأفراد الأمريكيين بالإفلات من العقاب أو التساهل النسبي بعد ارتكابهم الفظائع نفسها، من قصف للملاجئ والمنازل والمستشفيات إلى قتل المدنيين وتعذيبهم واغتصابهم.

 

كما أشار مفوض لجنة الحقوقيين الدولية ريد برودي الشهر الماضي، إلى المأزق المتمثل برغبة الولايات المتحدة في مساعدة المحكمة الجنائية الدولية حول ما تدّعيه لمقاضاة “جرائم الحرب الروسية” المزعومة، في الوقت الذي تمنع فيه أي تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الأمريكية أو الإسرائيلية.

 

وأشارت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إلى أن المستوطنات الإسرائيلية هي “جرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف”، مضيفة أنه “سيكون من الرائع محاكمتهم هنا في الولايات المتحدة إلى جانب المحكمة الجنائية الدولية، حيث يتمّ التحقيق معهم حالياً”.

 

كما أفادت منظمات أخرى، إلى أن الوحيدين الذين يدفعون ثمن جرائم الحرب هم الصحفيون والمبلغون عن المخالفات الذين يفضحون هذه الجرائم. وفي إشارة إلى أن مؤسّس ويكيليكس الذي يواجه طلب تسليمه من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بعد أكثر من عقد من كشفه لجرائم حرب ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان والعراق، فضلاً عن الجرائم والانتهاكات الأخرى في جميع أنحاء العالم، علقت المحلّلة السياسية فيوريلا إيزابيل بالقول، إن الولايات المتحدة تمارس بالفعل الولاية القضائية الدولية على حرية الفكر والصحافة الحرة. وأضافت إيزابيل، في إشارة إلى مقتل الصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، إلى إن “إسرائيل تقتل الصحفيين دون أن يسفر ذلك عن أية عواقب”. وختمت قائلة: “لذا فإن الأمر لا يتعلق حقاً بمحاكمة جرائم الحرب، بل التستّر عليها والتحكّم في الوصف السردي للحرب”.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=85482