الإعلام_تايم
أيهم مرعي ـ الأخبار اللبنانية
كانت سورية، قبيل اندلاع الحرب المستمرّة منذ أكثر من 10 سنوات، واحداً من أهمّ بلدان العالم في مجال إنتاج القطن. لكنّ هذا الإنتاج تراجَع إلى مستويات قياسية بسبب ظروف الحرب، إلى درجة أن البلاد باتت تعتمد على الاستيراد لتعويض النقص الحاصل في الأسواق. مع ذلك، لا تنعدم المحاولات الحكومية لإعادة إحياء هذه الزراعة في المناطق التي استعادها الجيش، وخاصة في حلب وريفَي الرقّة ودير الزور.
طوال سنوات ما قبل الحرب، أوْلت الحكومة السورية اهتماماً كبيراً لقطاع إنتاج القطن، إلى درجة أنها خصّصت له مهرجاناً سنوياً بعنوان «مهرجان الذهب الأبيض»، الذي لا يزال معمولاً به حتى اليوم، على رغم تداعيات الحرب وتراجُع الإنتاج إلى مستويات قياسية. ويعود هذا الاهتمام إلى كوْن إنتاج القطن العضوي الذي لا يحتاج إلى سماد كيميائي، مجالاً حيوياً، استطاعت من خلاله البلاد الوصول إلى المرتبة الثانية عالمياً - بعد الهند - في الإنتاج، فضلاً عن تحقيق الاكتفاء الذاتي لمعامل الخيط والصناعات النسيجية المحلية، ما أدّى إلى تصدير الملبوسات السورية والمنسوجات إلى دول عديدة في العالم، ومنها ما هو عالي الجودة والطلب عليه عالمي. كما أن القطن السوري كان يشكّل نحو 30% من مجمل الصادرات الزراعية للبلاد، بالإضافة إلى أن عليه تعتمد الصناعات النسيجية، التي تُعدّ بدورها من ركائز الاقتصاد، ما منحه أهمية استراتيجية.
وأنتجت سورية، في عام 2011، أكثر من مليون طنّ من القطن، إلّا أن هذا الإنتاج تراجَع بشكل ملحوظ، ليصل إلى 100 ألف طن في عام 2015، وأقلّ من 20 ألف طن في عام 2021، بنسبةِ تراجُع تجاوزت الـ90%، مع تقهقُر المساحات المزروعة من 250 ألف هكتار، إلى أقلّ من 35 ألف هكتار، خلال سنوات الحرب. وضعّف انخفاض منسوب نهر الفرات، وارتفاع ساعات التقنين الكهربائي، وشحّ المحروقات، تفاؤل الحكومة بتعافٍ تدريجيّ لهذه الزراعة، بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على مساحات واسعة من أرياف دير الزور والرقة وحلب المُنتجة للقطن. ويضاف إلى العوامل المذكورة، منْع «الإدارة الذاتية» الكردية المزارعين في مناطق سيطرتها من بيع محصولهم السنوي إلى المراكز الحكومية. وتسبّبت تلك الظروف بعزوف السوريين عن زراعة القطن، والتوجّه إلى الزراعات العطرية وزراعة الخُضر والسمسم والذرة الصفراء، الأقلّ تكلفة، والأقلّ حاجة إلى المياه. وكلّ ذلك، بحثاً عن أرباح توفّر لهم دخلاً اقتصادياً أكبر، في ظلّ تدهور الأوضاع المعيشية.
ويبيّن مدير زراعة حلب، رضوان حرصوني، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «ما قبل الحرب، كانت حلب تزرع أكثر من 24 ألف هكتار، وهو ما جعلها تحتلّ المرتبة الأولى في الإنتاج»، مضيفاً أن «الخطّة الزراعية في المحافظة للموسم الفائت، كانت تهدف إلى زراعة نحو 1500 هكتار، لكن فعلياً لم تتمّ زراعة سوى 370 هكتاراً». ويعيد حرصوني عزوف السوريين عن زراعة القطن، إلى «عدم وجود العمالة الكافية، وازدهار زراعة الذرة الصفراء والسمسم». من جهته، يعزو رئيس «الاتحاد العام للفلاحين السوريين»، أحمد صالح إبراهيم، هذا التراجع إلى أن «الفلّاح ينظر في الإنتاج إلى المحصول الأقلّ كلفة، والذي يعطيه ربحاً مادياً أكبر، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، ما رجّح كفة العديد من المحاصيل على محصول القطن»، موضحاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «محصول القطن محصول شرِه للمياه، وعدم توفّر الريّ الحكومي، واعتماد الفلاحين في إنتاجهم في الغالب على الآبار، أدّيا إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المحصول بشكل كبير، وتراجع إنتاجه».
وتَبذل الحكومة السورية جهوداً لإعادة إحياء زراعة القطن في المناطق التي استعادها الجيش، وخاصة في حلب وريفَي الرقّة ودير الزور، من خلال إعادة إصلاح شبكات الريّ الحكومية، والعمل على توفير تقنيات ريّ حديثة. كما تعمل على خلْق محفّزات للعودة إلى هذه الزراعة، من خلال رفع تسعيرة الشراء لأكثر من مرّة في الموسم الواحد، إلّا أن عدم استقرار سعر الصرف، وعدم التوازن في التكاليف بين المزارعين الذين يعتمدون على الريّ الحكومي، والآخرين الذين يعتمدون على مياه الآبار السطحية والجوفية، جعلا من هامش الربح محدوداً. وعن هذه الجهود الحكومية، يقول رئيس «الاتحاد العام للفلاحين السوريين»، أحمد صالح إبراهيم، إن «الاتّحاد ينظر إلى موضوع تدنّي إنتاج القطن بصورة شمولية، على أساس أن هناك خطّة زراعية يجب أن تُطبّق»، معلِناً أن «التركيز في الأعوام القادمة سيكون على زراعة محصول القطن في الأماكن التي يعمل فيها الريّ الحكومي، مع الحفاظ على المياه الجوفية، ودعم مشاريع الريّ الحديث بالتنقيط أو الرذاذ؛ بهدف التقليل من استهلاك المياه الجوفية والحفاظ عليها». ويضيف إبراهيم أن «الحكومة تعمل على تشجيع الفلاحين على العودة إلى زراعة القطن من خلال إصدار تسعيرتَين، واحدة مبدئية قبل الزراعة، وأخرى نهائية تكون في موسم القطاف«. |
||||||||
|