الإعلام تايم
كتب محمد نور الدين في صحيفة الأخبار اللبنانية:
بعدما كانت مؤسّسات مالية غربية تَوقّعت أن يصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 16 ليرة، في الربع الأوّل من العام 2022، أثبت التدهور المستمرّ في قيمة العملة التركية أنه سيفوق كلّ التوقّعات؛ حيث تعدّى سعر الدولار الواحد حالياً السبع عشرة ليرة، على الرغم من التدخّل الخامس للمصرف المركزي في سوق القطع. انهيارٌ متواصلٌ لا يفتأ يثير عواصف غضب وانتقادات في وجه الرئيس رجب طيب إردوغان، وصلت خلال اليومين الماضيين إلى حدود المطالَبة بانتخابات مبكرة، بل وفورية، فيما لا يزال فريق إردوغان متمسّكاً بخطابه في شأن تعرُّض البلاد لـ»حرب اقتصادية»، توازياً مع مواصَلته مساعيه إلى تصفير المشكلات الخارجية للنظام، وآخر وجوهها بدء خطوات التطبيع مع أرمينيا.
قبل أسبوع تقريباً، بدأت ملامح الأزمة الحادّة التي تمرّ بها تركيا تتبلور، أكثر فأكثر، مع تغيير وزير المالية السابق، وتعيين وزير جديد، هو نور الدين نبطي، مكانه. كانت الذريعة، وراء ذلك، أن الوزير السابق يعارض سياسة خفض الفائدة على الليرة، فيما أبدى الوزير الجديد استعداده لمساوَقة سياسات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي رفع شعاراً يقول إن ارتفاع سعر الفائدة هو السبب وراء الأزمة، فيما التضخّم واحد من نتائجها. وعلى هذا الأساس، خفّض المصرف المركزي الفائدة بنقطة إلى 15 في المئة، الأمر الذي «طيّر» سعر صرف الدولار. ثمّ ما لبث أن خفّضها من جديد نقطة إضافية، لتصبح 14 في المئة، ويحلّق عندها سعر صرف الدولار، بالغاً أكثر من 17 ليرة. ومن هنا، اعتبرت صحيفة «قرار»، أن «المركزي أحرَقَ المراكب» وراءه، ودقّ مسماراً آخر في نعش الليرة التركية. وبعدما كان الهدف حصْر التضخّم بنسبة خمسة في المئة، إذا به يتجاوز، حتى الآن، العشرين في المئة. وبما أن الوضع المالي لم يَعُد محتملاً، فقد لجأ إردوغان إلى سياسة رفع الأجور بنسبة عالية، بلغت خمسين في المئة، من 2825 إلى 4250 ليرة. ومع ذلك، لم يتغيّر في الأمر شيء؛ إذ تكاد الزيادة الجديدة تتبخّر قبل أن تصل إلى أيدي الموظّفين، فيما يزداد حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، وترتفع الأسعار بصورة جنونية، وتتراجع أسعار العقارات.
من جهته، رأى رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، أن «الدولة تعطي المواطن بالملعقة، وتأخذ منه بالكفكير». وأشار إلى أن «الزيادة التي أُعطيت، طارت في يوم واحد نتيجة انهيار سعر الليرة»، مضيفاً أن «الحدّ الأدنى للأجور، بعد الزيادة وبعد انهيار الليرة، انخفض من 385 إلى 275 دولاراً». وتابع: «كفى! لا تستطيعون الهروب. قرِّروا إجراء انتخابات نيابية عاجلة». أمّا رئيس «حزب الحرية والتقدّم»، علي باباجان، والذي كان وزيراً للاقتصاد في حكومات متعدّدة لـ»حزب العدالة والتنمية»، والذي يعيد البعض إلى سياساته فضل «المُعجزة» الاقتصادية التركية، فقد اعتبر أن «تركيا، للأسف، دخلت مرحلة التضخّم المزمن»، منبّهاً إلى أن «تخفيض الفائدة سوف يجعل الناس أكثر فقراً، وإردوغان يواصل بكلّ الزخم والعناد أخطاءه. وفي النهاية، سوف ترتفع أسعار كلّ شيء من الإبرة إلى الخيط، وسوف يتعاظم الفقر والجوع، ولا بدّ من العودة عن هذه السياسات». وخاطب باباجان إردوغان، بالقول: «إذا أردتم تخفيض الفائدة، فهذا لا يكون بإصدار تعليمات، بل بتحقيق العدالة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، وبتولّي كوادر كفوءة ونظيفة مسؤولية العمل».
وإلى أبعد من ذلك ذهب النائب والوزير السابق عن «حزب الشعب الجمهوري»، فكري صاغلار، الذي دعا الناس إلى الخروج إلى الشارع والمطالبة بانتخابات نيابية حالاً. وفي حال لم تستجب السلطة لهذا المطلب، حضّ صاغلار الشعب على إعلان العصيان المدني. في المقابل، اعتبر شريك إردوغان في السلطة، رئيس «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، أن «اقتصاد تركيا يواجه حصاراً حادّاً، وعدواناً اقتصادياً، بالتعاون مع الخوَنة في الداخل، وهذه مسألة أمن قومي تركي».
من جهته، يرى الباحث الاقتصادي، إبراهيم قهوجي، في صحيفة «قرار»، أن «زيادة الأجور وتخفيض الفائدة هو إعلان لانتخابات مبكرة»، مضيفاً أنه «من غير الممكن الاستمرار في اللعبة الحالية، ولا بدّ من انتخابات مبكرة في الصيف المقبل كحدّ أقصى، وإلّا فإن البلاد ذاهبة على الطريق الأرجنتيني للانهيار، بل على طريق النموذج الفنزويلي حيث لا طوابير للناس، لأنّه لا توجد في المحلّات مُنتجات». وتَعتبر جالي أوزغين تورك، في صحيفة «جمهورييات»، بدورها، أن «المطلوب ليس تغيير النظام الاقتصادي، بل الثقة»، ناقلةً عن نائل أولباق، رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، المقرّب من إردوغان، قوله إن «البلاد تحتاج إلى الثقة والاستقرار، كما تحتاج إلى الاستثمار والاستخدام، لكن شرط هذا هو الشفافية». وتلفت إلى أن «أرقام التضخّم الرسمية ليست صحيحة، بل تتجاوز العشرين في المئة لتصل إلى خمسين في المئة». من جانبه، تحدّث عزت أوزغينتش، المستشار السابق لإردوغان، عن أن الوضع الاقتصادي قد يدفع إلى إعلان حال الطوارئ، في محاولة لتجاوُز انعدام الثقة، وهو ما نفته أوساط الرئيس لاحقاً.
|
||||||||
|