وجهات نظر

الكلّ "يدعو" واشنطن.. وهي في "وادٍ" آخر!

أحمد حمادة


الاعلام تايم - الثورة أون لاين

 

خلال شهر أو أكثر بقليل، وخلال متابعتي لأخبار العالم على مختلف الفضائيات ومواقع الصحافة الإلكترونية، رصدت حالة تثير الاستغراب والاستهجان والاستهزاء معاً، ففي جوهر ما رصدت من تصريحات لرؤساء الدول وحكوماتها، ومواقفهم من كل ما يجري من أحداث وأزمات وحروب في هذه المعمورة، كان اللافت أنّ نصف تلك الأخبار والمواقف، إن لم يكن أكثر، تتمحور حول "دعوة" أميركا للتراجع عن سياساتها الإرهابية في العالم.


ما يثير الاستهزاء والضحك أنه ما إن ينتهي المرء من قراءة خبر "يدعو" فيه الرئيس المكسيكي "أوبرادور" إدارة الرئيس الأميركيّ الجديد جو بايدن إلى إجراء تغييرات كبيرة على سياسات الهجرة التي كانت تأخذ طوال عقود نهجاً عنصرياً وصل إلى حدّ اعتقال المهاجرين على الحدود وفصل الآباء عن أطفالهم، حتى يقرأ هذا المرء "دعوة" الصين واشنطن للعودة عن قرارات معاقبة كوبا والتراجع عن ضمها لقائمة الدول الراعية للإرهاب.


تتصفح رويداً رويداً الأخبار، فتنتقل من "دعوة" بكين واشنطن للتوقف عن التدخل في شؤون هونغ كونغ وقضية تايوان، ومن "دعوتها" أيضاً لعدم استخدام شماعة محاربة الإرهاب كعذر وذريعة لقمع الدول وغزوها، إلى "دعوة" موسكو البيت الأبيض للوفاء بوعوده وإغلاق معتقل غوانتانامو سيء الصيت، ثم "دعوته" للعودة عن القيود التي فرضها على حرية التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم "دعوته" لنبذ التهديد والتلويح بالأسلحة النووية، وصولاً إلى "دعوته" لتمديد معاهدة "ستارت 3" للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية.


ومن "دعوة" موسكو وعواصم عدة واشنطن لإنهاء احتلالها للأراضي السورية والتوقف عن نهب ثروات السوريين وسرقة نفطهم والكفّ عن دعم الميليشيات الانفصالية، وعن انتهاك قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي ينصّ على الالتزام بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، إلى "دعوتها" التوقف عن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين، وعدم ابتزازهم والضغط عليهم بإرهاب ما يسمى "قانون قيصر".


ومن "دعوة" الأمم المتحدة واشنطن إلى إلغاء قراراتها تصنيف هذه المنظمة أو تلك كمنظمات إرهابية، إلى "دعوة" الصحة العالمية واشنطن لعدم استثمارها جائحة كورونا وزيادة أساليب الضغط وفرض المزيد من العقوبات على الآخرين، مروراً ب"دعوة" بكين واشنطن الكفّ عن إطلاق التصريحات المعادية لها، ووصولاً إلى "دعوة" طهران البيت الأبيض للتوقف عن عنترياته وعدم توتير الأجواء في منطقة "الشرق الأوسط" أو التلويح بحروب طاحنة.
معظم العالم "يدعو" الولايات المتحدة لتغيير نهجها الذي يقود العالم إلى الهاوية، في حين لا تلجأ نخبها الحاكمة إلا إلى طرق العنف والديكتاتورية، والإصرار على سياسات الإرهاب، واستخدام فائض القوة لديها، والتدخلات العسكرية، وغزو الدول، وتنظيم الانقلابات، والعمل بسياسة العقوبات الجائرة وتجويع الشعوب التي تتسبب بقتل الناس من أجل تحقيق غاياتها الاستعمارية.


معظم العالم إذاً "يدعو" أميركا للتخلي عن مشاريع الشر، و"يدعوها" للتخلي عن نهجها العدواني، وما ذكرته عينة صغيرة مما قرأت، لكن الغريب العجيب أن واشنطن لا تكلف نفسها حتى عناء الرّد على تلك الدعوات في أغلب الأحيان، بل تتصرف تجاهها بكل غطرسة، وتعامل العالم بمنطق العصابة التي يقودها حفنة من المتآمرين والنازيين الجدد.


هذه هي الصورة إذاً، معظم العالم "يدعو" واشنطن للتوقف عن انتهاك حريات الشعوب ومبدأ الديمقراطية التي تتشدق بها، والكفّ عن وهب أراضي الدول للكيانات المارقة والغاصبة كما فعلها ترامب المغادر حين اعترف اعترافاً مزيفاً بسيادة الكيان الإسرائيلي على الجولان والقدس، وهي، أي واشنطن، لا تعرف سوى البلطجة والعجرفة والغطرسة والتدخل السافر في شؤون الآخرين، ومعظم العالم "يدعو" واشنطن للإنصات لصوت العقل والحكمة وعدم السير الأعمى بسياسات التوحش، وواشنطن في وادٍ آخر، لا تتصرف إلا كقطاع الطرق والعصابات والتنظيمات المتطرفة كالقاعدة وداعش والنصرة، وكأنها ليست "دولة" لا بل تقول عن نفسها إنها "الديمقراطية " الأولى في العالم!!.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=77120