أحوال البلد

معلولا بيوت عمرها 150 عاماً (!) وخبراء في التاريخ إلى قاعات المطالعة في المكتبة


خاص الإعلام

هل حمت المعارضة والميليشيات التابعة لها إرث سورية ومعالمها التاريخية وحيّدتها عن المعارك في المناطق التي سيطرت عليها؟ هل معلولا مجموعة من البيوت التي تعود إلى مئة وخمسين عاماً؟ أسئلة سبّب الاعتراض على إجاباتها النقل من مديرية الآثار والمتاحف إلى قاعة المطالعة في مكتبة الأسد ! وسط موجة من الانتقادات والشائعات التي تجوب مواقع التواصل الاجتماعي وتسريبات عن تجاوزات إدارية ومخالفات قانونية في رُده وزارة الثقافة فما الذي يجري؟.


من باحثين في تاريخ الشرق القديم إلى قاعة المطالعة في مكتبة الأسد !.

في محاولة للوقوف على كواليس تلك الاتهامات استقصى موقع (الإعلام) ما يجري في وزارة الثقافة واستدعى تلك الموجة من الانتقادات اللاذعة، فكانت النتيجة الأولية نسختين عن قراري نقل بحق كل من الدكتور ابراهيم خلايلي والدكتور إياد يونس (الباحثين في آثار الشرق القديم بدرجة دكتوراة) من ملاك مديرية الآثار والمتاحف ومقرّ عملهما في اتحاد الآثاريين العرب إلى مكتبة الأسد، صدر القراران بتاريخ واحد في 2014/3/3، بحثنا في أسباب النقل فتبين لنا من مصادرنا أن كلاً من الباحثين التاريخين قد صرّحاً علناً أن سبب نقلهما التعسفيّ - كما يصفانه - جاء على خلفية نقاشات علمية وخلاف في وجهات النظر مع أصحاب القرار في المديرية العامة للآثار والمتاحف، خاصة بعد حلقة قدمتها قناة (الميادين) من متحف دمشق الوطني واستضافت فيها الإعلامية ديمة ناصيف كلاً من د. مأمون عبدالكربم - مدير الآثار والمتاحف في سورية، الياس بطرس - مدير الترميم في مديرية الآثار والمتاحف السورية، محمد نظير عوض - مدير المباني الأثرية، وبرأي كل من الباحثين خلايلي ويونس فإن مسؤولي الإدارة ارتكبوا خطأين تاريخيين لا يمكن التغاضي عنهما أو إغفالهما، الأول عندما صرح مدير الآثار والمتاحف بأن المسلحين قد حموا الآثار في سورية وجنبوها صراعاتهم مع الدولة لأنهم يدركون أهميتها كإرث تاريخي لوطنهم، والثاني أنه عندما سنحت الفرصة عبر الحلقة الأنفة الذكر للتعريف بتاريخ معلولا وحضارتها وما تتعرض له من تدمير ممنهج على يد مسلحي المعارضة، اكتفى مدير المباني الأثرية بالقول بما معناه - والكلام هنا نقلاً عن الدكتور خلايلي- أن "معلولا" عبارة عن مجموعة من البيوت عمرها بين 100 و150 عاماً، وهو ما لم يقبل به خبراء الآثار والباحثين في تاريخ الشرق القديم (معلولا من أقدم مراكز الحضارة السورية التي ما زالت مأهولة بالسكان منذ تشييدها قبل آلاف السنين)، ونتيجة لعدم التوصل إلى صيغة لإقناع مدير المباني الأثرية بخطأه وتقديم بيان يتراجع فيه عما قاله في سياق الحلقة خوفاً من أن يصبح الكلام بمثابة تصريح رسمي ويؤخذ كمصدر في يوم من الأيام، تقدّم كل من الباحثين ابراهيم خلايلي، واياد يونس بتاريخ 2014/2/27 باقتراح إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف - وهنا أقتبس صيغة طلبهما الذي حصلنا على نسخة منه حرفياً: "رغبة منا في تقديم معلومات أكثر دقة على خلفية التشويش الذي رافق تغطية أخبار معلولا في بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية، مما انتقص من قيمة المدينة وبخسها حقها، فإننا نرجو الموافقة على اقتراح بإقامة ندوة علمية خاصة بمدينة معلولا لمدة يوم واحد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وذلك ضمن سلسلة ندوات يحاضر فيها عدد من المختصين في تاريخ الشرق وخبراء الآثار حول التاريخ القديم لمدينة معلولا، وإضاءة على معلولا كحاضرة مدنية وعلى نسيجها العمراني والاجتماعي، وعن الكنائس في معلولا وغاية استهدافها واستهداف المدينة في إطار الحرب على التراث السوري"- كما تضمن الطلب عرض الفيلم الوثائقي "آرامية معلولا" الذي أعدّه د.خلايلي لمديرية الآثار عام 2009 دون أن تعمل المديرية على بثه حتى تاريخه، علماً أنه من ضمن خمسة أفلام وثائقية أنجزها قبل الأزمة، وتحتوي على صور لمواقع أثرية تعرّض بعضها للخراب والتدمير على أيدي العصابات، ومن هذه المواقع ما لم يعد قائماً على الأرض... لكن الرد على الطلب جاء بقراري النقل الصادرين بعد أسبوع تماماً بتاريخ 6-3-2014 بحق كل من الدكتور ابراهيم والدكتور اياد. هيدول آخر 3 سطور كمان من الفقرة الطويلة.


معلومات مشوهة وأخطاء تاريخية
التقى موقع (الإعلام) الباحثين خلايلي ويونس واطلع منهما على تفاصيل نقلهما وأسبابه وخلفياته وكان الحوار التالي:


د. ابراهيم خلايلي: لماذا اعترضتم على النقل؟
قرار النقل لم يكمن مفاجئاً لنا لأنه جاء بعد سلسلة من المضايقات التي تهدف وبشكل واضح إلى إيقافنا عن العمل في اختصاصنا، وجاء على خلفية نقاشات علمية بعد تصريحات أدلوا بها في ندوة تلفزونية مع قناة (الميادين) نهاية الشهر الأخير من عام 2013، واعتبرناها نحن استناداً لمعلومات ووثائق تاريخية مشوهة ومسيئة للتاريخ السوري، لا نتهم أحداًَ بالخيانة لكن من حقنا تصويب الخطأ إذا شعرنا به.


ما الذي أثار حفيظتكم في التصريحات كباحثين في تاريخ الشرق القديم والحضارة السورية؟
سبب الخلاف علمي وأكاديمي بحت حول معلولا تحديداً وهو ليس بجديد بيننا وبين مسؤولي الإدارة، يرجع إلى المناهج العبرية التي استخدموها في تدريس الآرامية عندما افتتح معهد تعليم اللغة في معلولا، لكن هذا الجدل تطور بعد ظهور الزملاء في حلقة (الميادين) وإضاعتهم لفرصة التعريف بتاريخ وحضارة معلولا، حيث ارتكب مدير المباني الأثرية خطأً تاريخياً فادحاً بقوله أن معلولا مجرد بيوت عمرها 100 إلى 150 عاماً وهذا تشويه وتزوير للتاريخ السوري، عدا عن تصريحهم بأن المسلحين قد حموا آثار سورية وحيّدوها في مناطق سيطرتهم وهذا ما يخشى أن يؤخذ على أنه تصريح ومرجع رسمي.


د. إياد يونس: هل قدمتم أي اعتراض خطي رسمي على قرارات النقل؟
النقاش كان شفهياً ولعدة أيام مع مدير المباني الأثرية شخصياً وطالبناه بإرسال بيان إلى قناة (الميادين) يصحح فيه ما قالوه ويوضح المغالطة التاريخية بخصوص معلولا لكن دون جدوى، تقدمنا بعدها بطلب إقامة ندوة علمية خاصة بمدينة معلولا لمدة يوم واحد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق فكان الرد بقرار النقل إلى مكتبة الأسد بعد أسبوع !


هل طعنتم بقرارات النقل وطالبتم بطيّها؟
نعم تقدمنا بطلبات طعن مرفقة بشرح مفصل حول حيثيات الموضوع ومخالفته القانونية والإدارية وما يترتب عليه لكن دون أي تجاوب.

د. ابراهيم خلايلي: في تصاريح وتحقيقات صحفية سابقة تحدثتم عن مخالفات إدارية وازواجية في المناصب داخل مديرية الآثار فما هو دليلكم؟
ليست اتهامات والجميع يعرف هذه المعلومات، وهناك أربع أشخاص يشغلون ثمان مناصب في ذات الوقت بالرغم من توفر الكفاءات والكوادر العلمية المدربة والمؤهلة لذلك، على سبيل المثال: مدير المباني الأثرية هو نفسه معاون المدير العام للشؤون العلمية والفنية، مدير التنقيب هو نفسه أمين قسم آثار الشرق القديم في المتحف الوطني، ومدير شؤون المتاحف هو نفسه أمين متحف دمشق الوطني، مديرة المتابعة هي نفسها أمينة متحف الفن الحديث !.


هل حقاً حمى المسلحون آثارنا ؟ ومعلولا مجرد بيوت عمرعا 150 عاماً ؟
بالعودة إلى أرشيف الحلقة المذكورة والتي بثت بتاريخ 2013/12/21 يقول مدير الآثار والمتاحف إن المسلحين كانوا متعاونين مع المديرية في حماية الآثار والمتاحف وتحييد المواقع والمقتنيات الأثرية عن الصراع، كما أن الجهات المعنية في المديرية تواصلت مع المسلحين من أبناء بعض المناطق في حلب والرقة وادلب والقامشلي لاتخاذ إجراءات مشابهة وقد نجحوا في ذلك، دون أن يذكر أن المسلحين قاموا بتدمير الكثير من المناطق الأثرية والتاريخية في تلك المدن أيضاً أو حتى تحميلهم مسؤولية ما جرى من تدمير همجي للجامع الأموي والسوق الأثري في حلب، أو الكنائس الأثرية في دير الزور وحمص ومعلولا وسرقة مقتنياتها وآثارها، أو أهم المعالم الدينية والتاريخية في مدينة حمص، وغيرهم الكثير الكثير من الأمثلة.
أما ما ورد في الحلقة عن معلولا تحديداً فكان وفي أقل من دقيقة على الشكل التالي وننقله عن لسان مدير المباني الأثرية حرفياً، "نتيجة الاشتباكات في ريف دمشق كانت معلولا من المناطق غير المحظوظة وتأثرت نتيجة الاشتباكات كبيوت تاريخية عمرها من 100 إلى 150 عاماً وهي مسجلة على لائحة التراث الوطني ولها رمزيتها وخصوصيتها".
لسنا في صدد مناقشة كل ما ورد في سياق الحلقة واكتفينا بذكر السبب الجوهري للخلاف بين الباحثين خلايلي ويونس مع مديرية الآثار كما نقلته مصادرنا، علماً أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تشكل فيها معلولا محور جدل في أروقة مديرية المتاحف فهل حقاً حمى المسلحون آثار سورية وحيدوها عن صراعهم ضد الدولة؟ وهل معلولا مجرّد بيوت عمرها 150 عاماً ولسوء حظها فقط نالت جزءاً من التدمير دون أن يكون هذا الاستهداف مقصوداً وموجهاً لحضارة تعود لآلاف السنين؟ سؤال برسم وزارة الثقافة أولاً ومديرية الآثار والمتاحف ثانياً والسوريين جميعاً أولاً وأخيراً.

سناء علي

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=10&id=7433