وجهات نظر

في التوقيت والظروف: من أحوج إلى الآخر.. سورية أم الجامعة العربية؟

د. حسناء نصر الحسين


الاعلام تايم - رأي اليوم

 

بالرغم من كل السنوات الماضية على قرار دول في جامعة الدول العربية بتعليق عضوية الجمهورية العربية السورية عملت روسيا جاهدة على المساعدة في ترتيب البيت العربي والمساعدة في تصحيح الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الجامعة العربية في قرار مجحف وغير قانوني ولا يتناسب مع ميثاق جامعة الدول العربية.


هذه الدعوات الروسية ليست حديثة العهد انما مستحدثة حسب قراءة روسية دقيقة لما يجري من أحداث ومجريات لا يمكن تغافلها على المستوى العربي والاقليمي حيث عبرت روسيا مجددا وعلى لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف قائلا : روسيا ترى ضرورة عودة سورية الى العائلة العربية وعودة التمثيل العربي في دمشق.


فهذه الدعوة من حيث التوقيت ضرورة لجميع دول الوطن العربي الذي يعاني من مشاكل عديدة رأسها الكيان الصهيوني ويضاف إليها التمدد التركي بحلته العثمانية الجديدة ليصبح وطننا العربي بين مطرقة الصهاينة وسندان العثمانية.


شكل قرار تعليق عضوية سورية في جامعة الدول ضربة مؤلمة لجميع شعوب الوطن العربي الذي يرى في سورية احد اهم أعمدة هذه الجامعة لما تمتلكه سورية من عروبة متجذرة  أصيلة ومواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية والعدوان الأمريكي على العراق الشقيق والعدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان، ليتحول يوم تعليق عضوية هذا البلد العربي نصرا استراتيجيا للكيان الصهيوني يضاف إلى رصيده الذي أنجزه سابقا في اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية وادي عربة  فإسكات الصوت المناهض للصهيونية ولقوى الاستكبار العالمي يعتبر إنجازا أمريكيا غربيا صهيونيا فقرار التعليق وتجميد العضوية الغير شرعي نتج عنه استفراد الدول المسيطرة على قرار جامعة الدول العربية بالقرارات العربية وتسيير أمور قرارات كانت تصطدم فيها مع الفيتو السوري المعطل لتلك القرارات وتبرز أهم إنجازات الجامعة العربية خلال فترة التعليق ..

 

    شروع أنظمة عدة دول عربية للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان عربية أخرى واستهدافها وهذا العمل قاموا به مع الدولة السورية الشقيقة وكرروه مع اليمن الشقيق .


    انكسار حاجز الخجل من إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني واليوم نجد عدد من الدول العربية تقوم بخطوات كبيرة لإعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني .

 

وهذا يؤكد أن هذه الجامعة مسلوبة الإرادة من خلال سيطرة بارونات النفط الخليجي المعروفة بعلاقاتها مع أمريكا وإسرائيل وتمرير مشاريع الإدارة الأمريكية والصهيونية على حساب مصالح الدول العربية .


ولن تكون سورية آخر الدول المتآمر عليها في جامعة الدول العربية بل لحقها دول أخرى ليتحول المشهد من مشهد الاستقرار المتمثل بالأمن والأمان إلى فوضى عارمة داخل هذه الدول .


واليوم لابد أن نتساءل بعد أن انتهكت دول البترودولار لكل ما جاء في ميثاق جامعة الدول العربية من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية واحترام مبدأ السيادة اين أصبحت هذه الجامعة وأين أصبحت سورية ؟


في عام 2011  اتخذ  القرار المنقوص بتعليق عضوية سورية وهي احد الدول المؤسسة لهذه الجامعة وشاركت الدول التي أقرت هذا القرار بالعدوان عليها وبعد دخول هذه الحرب عامها العاشر نجد سورية الصامدة المنتصرة التي لم يثنيها قرار تجميد عضويتها عن الاهتمام بالقضايا العربية ولم يغير شيئا من نهجها العروبي المقاوم فقاومت مشاريع الهيمنة الامريكية وبددت اطماعهم ودافعت عن كل الدول العربية من خلال تصديها للإرهاب التكفيري والمشاريع الإخوانية فشكل هذا الصمود  السوري صفعة الصحوة للدول العربية التي أعلنت العدوان عليها لتستفيق من حلم طال انتظار تحقيقه ولم يتحقق فكان لابد أن تسلم للإرادة الصلبة السورية ولما حققته القيادة السورية من انتصار كبير فجاءت التصريحات والرسائل من تحت الطاولة ومن فوقها مطالبة بعودة العلاقات بين هذه الدول والدولة السورية ولابد أن أشير إلى مواقف دول عربية مشرفة مثل العراق والبنان والجزائر وتونس التي رأت في غياب سورية غيابا للعمل العربي المشترك الذي يواجه تحديات كبرى .


امام هذه المتغيرات رأت روسيا ضرورة العمل على عودة سورية للعائلة العربية وبذلت القيادة الروسية جهودا عظيمة لاعادة الوحدة والتلاحم العربي للجسد العربي مع العلم ان سورية موجودة في هذا الجسد ومكانها القلب فكان لابد من استهدافها بهدف اعلان موتها وموت الوطن العربي بالكامل هذا المخطط الأمريكي لم ينجح وبقيت سورية قلعة للصمود والتصدي وهذا ما دفع الأمريكي لسن ما عرف بقانون قيصر لضرب مشروع هذه العودة بهدف إبقاء حالة الشلل على جامعة الدول العربية وابقائها في حالة موت سريري.


لكن السؤال الكبير هنا هل ستستفيق هذه الجامعة أمام العدوان التركي واطماعه في وطننا العربي؟


في السنوات الماضية كان هناك تنسيق خليجي _ تركي  للإطاحة بالدولة السورية وتعاون مشترك إلا أنه امام النصر الذي أحرزته سورية وأمام العداء الايديولوجي لبعض هذه الدول وتركيا حرك هذه الدول ودفعها للمطالبة بعقد قمة عربية لدراسة ما عرف بعملية نبع السلام التركية إلا أن مخرجات هذه القمة بقيت ضعيفة لا ترقى لمستوى مشاريع تركيا وإسرائيل في المنطقة .


وأمام الرسائل الأمريكية والجولات المكوكية لبومبيو الذي شكل هذا الاجتماع قلقا بالغا عند قيادته ودفعه للتوجه إلى مصر التي كانت من دعت لهذه القمة بردت هذه الدعوات وذابت، لتبقى الدعوات الروسية حاضرة في إعادة الحياة لهذه المجموعة العربية بما يمكنها من مواجهة الأخطار العثمانية ورغبة روسيا بحل الأزمة السورية سياسيا والعمل على مواجهة مشاريع أمريكا وذراعها التركي الطويل في الوطن العربي والشرق الأوسط  فهذه العوامل تؤكد على ضرورة عودة سورية الى جامعة الدول العربية .


فهذه الجامعة التي تأسست على أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية لتكون منظمة قوية تطالب بالأمن والاستقلال لدول عربية كانت تحت الاحتلال والانتداب وتمثل دول الوطن العربي في المحافل الدولية لتكون ناقلة لأصوات الشعوب العربية والعمل على تكريس العمل العربي المشترك لتكون قوة في وجه الأعداء إلا أن واقعها لم يحمل هذه الأهداف السامية وتحولت أداة لضرب بعضها بعضا لتحقيق مصالح دولة مارقة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية لكن أمام هذه التحديات الكبرى التي تعيشها الأمة العربية فهل سنرى بعودة سورية إن قبلت سورية بالعودة تغييراً جذرياً في آداء هذه المنظمة وهل سيكون التمدد العثماني الجديد من جديد أحد عوامل التغيير في عمل هذه المنظمة لتتحول فعليا لجامعة للدول العربية بكل ما لهذا الاسم من معنى ؟
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=72595