وجهات نظر

ومن بعدي الطوفان

وليد شرارة


الاعلام تايم - الاخبار


مع قرب دخول «قانون قيصر» الأميركي، أي صيغة «الضغوط القصوى» الخاصة بسورية، حيّز التنفيذ، تبرز وجهتا نظر في كيفية توظيفه سياسياً لدى إدارة دونالد ترامب وغاياتها الفعلية من ورائه.


وجهة النظر الأولى تفترض أن القانون سيسمح للإدارة بتكثيف الضغوط على الدولة السورية وحلفائها لحملهم على قبول الشروط الأميركية لأي حل مستقبلي للأزمة، وإفهام الطرف الروسي تحديداً بين هؤلاء الحلفاء أن لا إمكانية لتسوية دائمة في سوريا من دون الولايات المتحدة.


سيشكل القانون في نظر أصحاب هذا الرأي رافعة للعودة إلى «قناة فيينا»، أي جولات المفاوضات الروسية ــــ الأميركية الثلاث التي تمت خلال عام ونصف عام، وتخللتها «عروض» أميركية تتضمن جملة من الشروط تبدأ بوقف النار في إدلب ومناطق أخرى والسماح بدخول مساعدات إنسانية إليها وإلى مناطق تحت سيطرة الجيش السوري، وتنتهي بأخرى تنص على انسحاب حزب الله و«حرس الثورة» الايراني والقوى الحليفة لهما من مناطق أخرى، لكنها لم تفضِ إلى أي نتيجة تذكر.


وفق بعض المصادر المطلعة، أبدى، جيمس جيفري، وهو المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لـ«التحالف الدولي المناهض لداعش»، الذي يشرف على الملف السوري عملياً، أبدى في المدة الأخيرة حماسة كبيرة حيال إمكانية إعادة فتح هذه القناة «بطلب روسي هذه المرة».

 

أنصار وجهة النظر الثانية يرون أن الجهات التي تقف خلف هذا القانون، في الإدارة وفي الكونغرس، يحركها أولاً وأساساً دافع الانتقام لهزيمة الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا والرغبة في معاقبة الجهات المحلية والإقليمية والدولية المسؤولة عنها قبل أي اعتبار آخر. فإدارة ترامب، التي ترزح تحت وطأة مجموعة من الملفات الصعبة، من جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، مروراً بالانقسام الداخلي العميق الذي تبدّى على خلفية جريمة قتل المواطن الأفريقي ــــ الأميركي جورج فلويد على يد الشرطة، وصولاً إلى مواجهتها الكبرى مع الصين أولاً ومع إيران وفنزويلا ثانياً، ليست في صدد التركيز على سورية مجدداً.


يعتقد أنصار هذا الرأي أن الهدف الحقيقي للقانون خنق سورية وتجويع شعبها والرهان على اضطرابات داخلية تضعف الدولة، أو حتى تتسبب في انهيارها، وأن تربك الحلفاء وتجهض انتصارهم. يكفي التوقف عند ما رشح من شروط أميركية سبق أن قدمت إلى الروس في فيينا للتأكد من أن ما تريده واشنطن هو إذعان الدولة وحلفائها لها لا غير، وأن الغاية النهائية هي تعميم الخراب في ساحة خرجت إلى درجة كبيرة عن سيطرتها، والثأر من الذين أفشلوا مخططاتها في سوريا والإقليم.


إعلان الرئيس الأميركي منذ بضعة أيام استعداده لسحب قواته من حقول النفط السورية إن تمكن الكرد من السيطرة عليها أمر لافت. فترامب يعلم أن الكرد لا قدرة لهم على ذلك دون المساندة الأميركية. الرئيس المغرد عوّد الجميع إطلاق المواقف والمسارعة بعدها إلى التراجع عنها، وخاصة بشأن سوريا، لكننا هذه المرة أمام تشجيع أميركي علني لاستيلاء الميليشيات الكردية على موارد الدولة لحرمانها إياها عشية دخول «قيصر» حيز التنفيذ، وتأمين الشروط المادية لانفصال الأخيرين عنها. يظهر هذا الموقف واقع أن المشروع التقسيمي، الذي سبق لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ولمسؤولين سوريين، التحذير منه مراراً، وهو المرعي من الولايات المتحدة، ما زال مطروحاً على الطاولة. الربط بين هذه التغريدة وبين العقوبات التي ينص عليها القانون، والتي ستعرقل ترميم وتأهيل البنى التحتية الحيوية وتمنع الدولة من تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، يوضح جلياً الوجهة المعتمدة من الإدارة الأميركية. هي تسعى إلى تحقيق الأهداف التي عجزت عن الوصول إليها بالحرب بالوكالة عبر أدوات الضغوط الاقتصادية والمالية، والمستهدف في هذه الحالة هم حلفاء الدولة السورية، وفي مقدمتهم روسيا، بقدر ما هي مستهدفة.
الولايات المتحدة لم تتقبّل فشلها في الساحة السورية ولم تسلّم به وهي تحرص على تحويل ما تعتبره نصراً روسياً في الدرجة الأولى إلى «هدية مسمومة». آرون شتاين، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية، شرح بدقة خلفيات هذه المقاربة الأميركية في مقالة على موقع «وور أن ذي روكس» في 16 آذار/ مارس الماضي.


يقول شتاين إن واشنطن «إن كانت جدية في التزامها الدخول في منافسة مفتوحة وشاملة مع موسكو، عليها التفكير في سبيل جعل روسيا تتحمل أكلاف الانتصار... إن رؤية العلم الروسي مرفرفاً فوق القواعد التي أخلتها القوات الأميركية عزز السردية عن بداية الانسحاب الأميركي من العالم وصعود الدور الروسي في الشرق الأوسط».


وهو يوضح أن «قبول روسيا التورط في إدارة مسار سياسي طويل وشديد الاضطراب يمكن أن تستفيد منه أميركا إن سعت إلى فرض أكلاف عليها... المطلوب هو أن تكيف واشنطن مقاربتها للتنافس مع موسكو لتنجح في التحكم في كيفية إنفاق الأخيرة مواردها المحدودة. هذا التفكير ليس جديداً.


هو مستلهم من استراتيجية التنافس التقليدية التي طبقت خلال الحرب الباردة وحددت كيفية استغلال الولايات المتحدة ميزاتها التنافسية مقابل الاتحاد السوفياتي ومحاولة حمل الأخير على إنفاق أمواله بالطريقة التي تريدها واشنطن».
ما زال نموذج الانتصار على الاتحاد السوفياتي عبر استنزافه في سباق التسلح يسيطر على خيال النخب الأميركية.


«الضغوط القصوى» بجميع تنويعاتها هي محاولات لتطبيق هذا النموذج في الظروف الحالية وللوصول إلى النتائج نفسها.

 

المطروح هو العمل على خنق سوريا لإثارة وتأجيج تناقضات داخلية تفضي في أفضل السيناريوات من منظور أميركي إلى انهيار الدولة وغرق الحلفاء في سياق فوضى عارمة غير قابلة للضبط.

 

أما افتراض أن العقوبات التي ينص عليها القانون المذكور قابلة للتعليق أو عدم التطبيق في حال استجابة الدولة السورية وحلفائها للشروط الأميركية، فهو يتجاهل ماهية هذه الشروط التي تستهدف حملهم على الإذعان لا أقل.


فإذا وضعنا جانباً تلك المتعلقة بالمدنيين، التي أُدرجت لإسباغ صفة «أخلاقية وإنسانية» على الموقف الأميركي، وركزنا على ما هو رئيسي، أي وجود الصواريخ الإيرانية وتموضع حزب الله والحرس، نصل إلى نتيجة أن واشنطن تسعى إلى دفع روسيا إلى الصدام معهما في حال قررت الاستجابة لشروطها، وهو أمر مستبعد جداً.


أولويات إدارة ترامب في سورية إسرائيلية بالدرجة الأولى، وإزالة خطر الصواريخ في رأس جدول أعمالها، وبما أن خيار الحرب الشاملة غير وارد حالياً، لا يبقى سوى الحصار والتجويع أملاً بإشاعة الخراب.

 

نجاح أو فشل مثل هذه السياسة يتوقف إلى درجة كبيرة على مدى استعداد حلفاء سوريا الدوليين أولاً، كروسيا، والصين التي تحتدم مواجهتها مع الولايات المتحدة، للوقوف إلى جانبها لإفشال هذا المشروع التدميري.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=71614