الاعلام تايم - الوطن أون لاين
بعد أن حكم من يتولّون إدارة شؤون العالم من أقبيتهم المظلمة على العالم بالإغلاق التامّ، وأخذوا يتحكّمون بمعلومات انتشار الفايروس وعدد الإصابات والوفيات والمتعافين ضمنوا ألّا صوت يخترق المنحى الذي اعتمدوه لسرد الأحداث؛ إذ انتفت نهائياً أيّ إمكانية للتحقيق على الأرض في أيّ مكان، وأصبح الخبر الوحيد الذي يجول أرجاء المعمورة هو الخبر الذي ينشأ في غرف إعداد أخبارهم، ولأهداف ومقاصد يرسمونها هم دون غيرهم. مع أنّ الصحافة الحقيقية قد شهدت استهدافاً مباشراً بعد حرب فيتنام، بحيث كان الإعلام في ذلك الوقت عاملاً حاسماً في هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، وقد قرّرت دوائر القرار في الولايات المتحدة أنّ هذه الحالة يجب ألّا تتكرّر أبداً. فبدؤوا بمصادرة مصادر الإعلام الحقيقية والمحلية والمعنية بالبحث والتدقيق، وسيطرت بضع شركات كبرى في العالم على مراكز إنشاء الخبر وإعداده وتسويقه وضمان وصوله إلى معظم أرجاء الأرض، ومع ذلك بقي نزر يسير من الإعلاميين مؤمنين بمهمّتهم النبيلة، ومستعدّين أن يستشهدوا في سبيل إظهار الحقائق والدفاع عنها. ومع دخول عصر «كوفيد 19»، فقد أصبح هناك عذر مشروع كي يصبح حتى هذا النزر اليسير حبيس المنزل ورهينة ما يصله على النت، مع العلم أنّ كلّ ما يصله قد تمّ خطّه من الدوائر ذاتها التي أصبحت متحكّمة بالفعل وبردود الفعل أيضاً.
وعلّ هذا هو السبب أنّنا نشهد اليوم معركة إعلامية شرسة تحاول أن تلوي ذراع المعركة السياسية بعد أن سردت أحداث المعارك العسكرية بالشكل الذي تريد وأوصلتها إلى أذهان القرّاء بالنتائج التي تبتغي إيصالها لخدمة أهدافها. فاليوم لا يستطيع أحد أن يتأكّد ما الذي يجري في فنزويلا مثلاً، والمعركة هي بين الرواية الأميركية التي تكتسب محدّداتها من الطمع بثروات فنزويلا متخذة من «الديمقراطية» شعاراً لخطّة الاستيلاء على ثروات البلاد، وبين شعب وممثليه الذين يطمحون إلى الاستقرار الذي يمكّنهم من استثمار ثرواتهم وإصلاح أحوالهم بما يتناسب مع مقدّراتهم وطموحات شعبهم، ومن يعلم مثلاً حقيقة ما يجري في العراق أو ليبيا أو سورية أو في العلاقات الإقليمية والدولية إلّا من خلال ما يصلنا على الأجهزة المحمولة أو على شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت؟ وكلّ ما يصلنا من أخبار هي بمنزلة فيروسات إعلامية تستهدف محي الرأي العام.
ومن هنا يمكن قراءة النشاط الإعلامي المتزايد للصين في الفترة الأخيرة، والسجالات الدائرة بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، لأنّ الناطقين الرسميين اليوم هم القناة الوحيدة التي تشرح وجهة نظر بديلة للحكومات والدول، وتحاول مقارعة التشويه وتصويب الأمور كي لا تنزلق إلى ما يخطط له ويبتغيه الخصوم.
والخطير والمتجدّد في الموضوع أنّ هذه الدوائر، وبعد أن برهنت على قدرتها على التحكم في صياغة وتسويغ ما تشاء ولمن تشاء، بدأت بمراجعة حتى الثوابت التي عاشها الناس وشهدوها بأمّ أعينهم لتخلق ظلالاً من التشكيك والأسئلة، حتى حول ما تمّ البرهان عليه بالعمل الدؤوب والتضحية والبذل والفداء إلى حدّ الشهادة. وإلّا فكيف يمكن لدوائر مستَلَبَة من أيّ شعور باحترام الذّات أن تتّهم مثلاً الشهيد أبو مهدي المهندس بالإرهاب، وهو الذي نظّم وقاد حشداً شعبياً شهدت له الدنيا بأنّه دحر الإرهاب من معظم أراضي العراق، وكان ذا أيادٍ بيضاء للتخطيط لدحر الإرهاب من المنطقة والعالم؟ بعد أن امتلك هؤلاء ناصية السّرد حول الأحداث القائمة والمستقبلية بدؤوا بمحاولة تشويه ما تمّ إثباته، وما أصبح واضحاً للجميع وضوح الشمس، وهو أنّ سورية والعراق بذلتا مئات الآلاف من الشهداء لمحاربة ودحر الإرهاب، بينما عملت الولايات المتحدة والتحالفات الغربية المتواطئة معها والعثماني الجديد على دعم وتمويل وتسليح قوى الإرهاب في سورية والعراق من أجل تحقيق غاياتهم، وتنفيذ مخطّطاتهم بنهب ثروات هذه البلدان وتقسيمها أو إضعافها بما يضمن استمرار وقوعها تحت سيطرتهم.
|
||||||||
|