وجهات نظر

ترامب في المستنقع العراقي

محمد عبيد


الاعلام تايم - الوطن

 

 

على الرغم من انشغال العالم كله بمواجهة فيروس العصر «كورونا»، الذي يُتوقع أن يتحول إلى وباءٍ قاتلٍ فاق من حيث ارتداداته على صحة الناس كافة وحياتهم ما سبقه من فيروسات مشابهة.


إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى تراجع مستوى المواجهات المفتوحة على أكثر من جبهة عسكرية وسياسية إقليمية، بل إن همّ التصدي لذلك الفيروس الذي كان من المفترض أن يكون جامعاً على المستوى الإنساني، لم يدفع الإدارة الأميركية وبالأخص رئيسها دونالد ترامب إلى إعادة النظر بالإجراءات الاقتصادية الأحادية الظالمة، كذلك العقوبات الإرهابية التي كان ومازال يفرضها على كل من يختلف معه من الحكومات والقوى السياسية بدءاً من روسيا والصين وإيران وسورية وصولاً إلى حزب اللـه والحشد الشعبي وأنصار اللـه وفصائل المقاومة الفلسطينية وغيرهم.


كان يعتقد ترامب أن النزال المستتر بين واشنطن من جهة وطهران من جهة أخرى سيتركز في ساحتين أساسيتين: أفغانستان والعراق. لذلك سعى هو وفريق إدارته وفي مقدمهم الخبير التاريخي التقليدي في الشأن الأفغاني زلماي خليل زاده إلى تسريع إنجاز تسوية هشة مع حركة «طالبان»، اعتقاداً منه أن تحييد كابول سيوفر له الإمكانات العسكرية واللوجستية إضافة إلى التفرغ السياسي والاستخباراتي لحصر ساحة المواجهة في العراق.


ذلك أنه وفق تقدير ترامب قد نجح في تحقيق تفوق إستراتيجي على إيران ومحور المقاومة بأكمله من خلال اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس. وبالتالي فإن التوقيت صار مناسباً بشدة لاستكمال الانقضاض على مفاصل هذا المحور عبر السيطرة على العراق، صِلة الوصل الأساسية بين مكوناته.


لاشك أنه لا يمكن الحكم الآن على إمكانية تعثر أو نجاح التسوية الموقعة بين واشنطن وحركة «طالبان»، وخصوصاً أن شروطها ألزمت نظام الحكم القائم في كابول بمجموعة من التنازلات لمصلحة هذه الحركة قد لا يقوى على تحمل ارتداداتها السياسية الداخلية وخصوصاً لدى معظم فئات الشعب الأفغاني التي اعتبرت أنها كانت قد تخلصت من حكم «طالبان» إلى غير رجعة، وهو ما سبق أن وعدتهم به الإدارات الأميركية المتعاقبة.


إلا أنه أيضاً لا يمكن تجاهل التغلغل السياسي والثقافي والاقتصادي الإيراني في النسيج الأفغاني، وهو أمرٌ طبيعي بناءً على عوامل اللغة والدين والجوار والمصالح الإستراتيجية. كذلك فإنه لا يمكن إغفال الثأر التاريخي الكامن في داخل الدولة العميقة الروسية لاستعادة النفوذ في أفغانستان، ذلك أن أولى إرهاصات سقوط الاتحاد السوفييتي تم صياغتها على الأرض الأفغانية.


وبالتالي فإنه من المبكر الوثوق بإمكانية نجاح ترامب وفريق إدارته في تحييد أفغانستان، بل يبدو ذلك مستحيلاً في المدى المنظور في ظل بقاء قوات الاحتلال الأميركي جاثمة هناك، وما المهل الزمنية التي حددها الاتفاق لانسحاب هذه القوات سوى فرصة تسمح لترامب إدارة حملته الانتخابية الداخلية بأقل قدر ممكن من المواجهات الخارجية، فما الذي يمنع الانقلاب عليها لاحقاً؟


وبالعودة إلى العراق، فإن الوقائع الميدانية تؤشر إلى دخول الجيش الأميركي المحتل مصيدة الاستنزاف الذي ستتصاعد وتيرته كلما اقترب ترامب من الدخول في حمى السباق إلى البيت الأبيض، وإن تعثر حالياً بسبب طغيان حمى فيروس «كورونا».


والاستنزاف هنا ليس أمراً عادياً بالنسبة لجيش محتل يتحرك في بيئة كارهة له، إضافة إلى أنه الوسيلة الوحيدة المتبقية بين يدي قوى المقاومة الحية في العراق لإجبار هذا الجيش على الخروج من أراضي بلدها، بعدما فشلت القرارات السياسية والمطالبات الشعبية الداعمة لهذه القرارات بإخراجه.


ما يعني أن ترامب الذي قرر أن يخرج ولو بثمن باهظ معنوياً وسياسياً من المستنقع الأفغاني سيجد نفسه عالقاً في المستنقع العراقي الأكثر إيلاماً وخطورة.


ربما تراءى لترامب وفريقه أن الترتيبات لتوزيع مساحات النفوذ التي أجروها خلال الأشهر الماضية قد هيأت الأرضية المناسبة لاستتباب الأمر لهم في معظم العالم وخصوصاً في غرب آسيا، وما عليهم بعد الفوز بالولاية الثانية لترامب سوى تكريس هذه الترتيبات عبر تحويلها إلى حقائق سياسية-جغرافية وكذلك اقتصادية تعيد الولايات المتحدة الأميركية حصراً إلى موقع المتحكم الأحادي في إدارة شؤون الأمم والشعوب.


لكن ربما فاتهم أيضاً أن محاولات تكريس حقائق ثابتة على ترتيبات قابلة لأن تتبدل وتتحرك عكس رغباتهم سيؤدي إلى انكسار مشروعهم أو على الأقل منع تحقيقه في الوقت المؤمل.


هذا إضافة إلى ما قد يحمله انتشار فيروس «كورونا» عالمياً من تغييرات على المستويات الاقتصادية والمالية وبالتالي السياسية، وأيضاً على صعيد العلاقات بين الدول والشعوب والأهم إعادة ترتيب أولويات الكثير من الحكومات لمصلحة الانكفاء إلى تقديم معالجة شؤونها الداخلية على ما عداها.
وقد بدأت تظهر أولى إشارات هذه التغييرات.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=70389