وجهات نظر

نهاية تطلعات أردوغان

تحسين الحلبي


الاعلام تايم - الوطن

 

إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يظن أن عضويته في حلف الأطلسي ستزيد من قدرته على الاستمرار بسياسة الاحتلال والغزو ودعم المجموعات الإرهابية في شمال سورية والعراق وحوض المتوسط فهو واهم جداً ولن يكون بمقدوره بهذا الملف المشلول والضعيف، سوى إطلاق التصريحات، وهذا ما يمكن استنتاجه من تحليل نشره أوريل ساري في المجلة العسكرية الأوروبية «جوست سيكيورتي» في نهاية عام 2019 تحت عنوان: «هل يحق لحلف الأطلسي طرد تركيا من الحلف؟»، ويجيب عن هذا السؤال: «نعم يحق له إلا إذا وجد مصلحة سياسية في تجنب طرده أو تجميد عضويته».

 

الحقيقة أن تركيا ليست وحدها التي تثير المشاكل داخل الحلف لأن الحلف نفسه أصبح مشلولاً وعجوزاً ولا يمكن إعادة الحيوية له، فالعلاقات بين دوله الكبرى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا بدأ يعتريها الضعف والانقسام الناجم عن تناقض المصالح، فخروج بريطانيا الدولة النووية من الاتحاد الأوروبي سيزيد من الانقسام في المصالح والتنافس على تقاسمها بينها وبين فرنسا وألمانيا، لأن بريطانيا سيزداد التنسيق بينها وبين الولايات المتحدة التي لم تعد تعول على دور حلف الأطلسي، وهي التي تعرف أن فرنسا وألمانيا وقعتا قبل سنتين على اتفاق بناء «جيش أوروبي موحد للاتحاد الأوروبي» وهذا المشروع لا يقلل من قيمة ودور حلف الأطلسي بل يلغي دوره بالنسبة لهما وخاصة حين تنضم دول الاتحاد أو معظمها إلى عملية بناء جيش موحد تشارك فيه.


فمن الواضح أن فرنسا تحاول استعادة النفوذ في مستعمراتها الإفريقية ودورها كدولة كبرى من دول حوض المتوسط لحماية مصالحها في شمال إفريقيا، لذلك سارعت في 24 شباط الجاري إلى التوقيع مع اليونان على تعزيز علاقاتها العسكرية بموجب اتفاقية تعاون تسمح لها باستخدام قاعدتين حربيتين بحريتين فيها بهدف زيادة عدد القطع البحرية الفرنسية في المتوسط بما في ذلك حاملة الطائرات الفرنسية «مسترال»، وجاء هذا المشروع بين باريس وأثينا بعد شهرين تقريباً من تصديق البرلمان اليوناني اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة لاستخدام قواعد بحرية لمصلحة القوات الأميركية، فقد وجدت فرنسا أنها أولى من الولايات المتحدة بالتمتع بهذا الوجود العسكري، لكن الوجود الأميركي العسكري الجديد في اليونان أثار غضباً واحتجاجات واسعة من أحزاب اليسار والوسط في اليونان، وسيستمر في إثارة الخلاف داخل الساحة السياسية لأن واشنطن تسكت على سياسة أردوغان التي تهدد اليونان ومصالحها في المتوسط.


ولذلك أصبحت فرنسا تشكل عاملاً مساعداً لليونان ضد تركيا بعد اتفاقية التعاون العسكري هذه، ولا أحد يستبعد أن تعرض خلال هذا العام بريطانيا على تركيا أو اليونان منحها وجوداً بحرياً حربياً في سواحل هذه الدولة أو تلك، فمن الواضح أن الدول الاستعمارية القديمة التي خاضت ضد بعضها بعضاً حربين عالميتين لإعادة اقتسام النفوذ والمستعمرات والمصالح فيها أصبحت الآن في مرحلة جديدة لتحقيق الأهداف نفسها بشكل إمبريالي متقدم. وفي المجلة الأوروبية «يرو آكتيف» ترى اليكسانور برز وزوفيسكي، أن سياسة تركيا هي التي تشلّ حلف الأطلسي ولابد من إيجاد حل نهائي لسياسة أردوغان، لكن الجديد في كل هذا المشهد هو «طموح أردوغان إلى منافسة الدول الكبرى على النفوذ والمصالح في بعض دول المتوسط مثل ليبيا التي يتنافس فيها على المصالح والنفوذ فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا بشكل من الأشكال وهو يعد في سياسته تجاه ليبيا متنافساً لمصلحة الولايات المتحدة أكثر منه لمصلحة تركيا، لأنه يعرف أن دولتين من حلف الأطلسي تتطلعان إلى تحقيق مصالحهما في ليبيا وهما فرنسا وإيطاليا، وسوف يستخدم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هذه القواعد ليس لحماية مصالحه فقط بل لمصالح اليونان وقبرص اليونانية أيضاً، وستتعرض اتفاقية أردوغان مع حكومة فايز السراج في طرابلس إلى الصد من دول في حلف الأطلسي ولن يكون بمقدور الرئيس الأميركي دونالد ترامب حمايته بعد أن توهم أنه يستطيع استعادة الدور العثماني في اقتسام المستعمرات، ولذلك ستتضافر عدة عوامل موضوعية في الشرق الأوسط على تضييق الخناق على سياسة أردوغان وخاصة بعد هزيمته المقبلة والحاسمة في إدلب وفي شمال العراق قريباً.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=69649