تحقيقات وتقارير

في مواجهة مخلفات الحرب.. سوريون يسيرون نحو الأمل بأطراف اصطناعية


الاعلام تايم - نسرين ترك


لم يكن يدري أيمن 11 عاماً أن حياته ستتغير في ذلك اليوم، يروي تفاصيل قصته: كنت ذاهباً باتجاه مدرستي صباحاً، إلاّ أنني سلكت طريقاً ترابياً فرعياً، لم يكن طريقاً واضح المعالم إنما مجرد معبر مليء بالخردة والكتل الترابية والحفر.. تابعت مسرعاً إلى أن انزلقت قدمي على أجسام غريبة فانفجر شيء ما، وهنا فقدت الوعي.


بهذه الكلمات اختصر أيمن القادم من ريف دير الزور قصته التي قلبت حياته  رأساً على عقب، بعد بتر ساقه اليُسرى جراء انفجار لغم من مخلفات الحرب التي باتت تشكّل هاجساً جديداً يطارد الكثير من المدنيين العائدين إلى منازلهم وحقولهم.


حيث خلّفت الحرب على سورية عشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة، ولا تزال أعداد منها مدفونة في نقاط مجهولة، وذلك وسط جهود من الجيش العربي السوري لإزالتها وتوعية أممية بمخاطرها لتشكّل الألغام تحدّ جديد أفرزته الحرب على سورية وخطراً يهدد المدنيين.


وتعد الألغام والأجسام المتفجرة من الملفات الشائكة المرتبطة بالحرب على سورية. خاصة في ظل عدم وجود مخططات للألغام  فإن عملية إزالتها تعتبر صعبة، حيث تمّ زرع هذه الألغام في الأماكن السكنية والحقول والمنشآت الحيوية والمؤسسات الحكومية.وبحسب الأمم المتحدة فإن ملايين الأشخاص في سورية مهددون بالتعرض لأذية المواد المتفجرة.


مراكز متخصصة لإعادة التأهيل


لا يوجد إحصائيات دقيقة حول عدد الأشخاص المحتاجين إلى أطراف صناعية في سورية حتى الآن، وعلى الرغم من أن هناك من يتحدث عن أكثر من مليون ونصف مصاب خلال سنوات الحرب على سورية، أصبحوا يعانون من إعاقات تتعلق بالأطراف. إلا أن الإنتاج المحلي ووجود مراكز متخصصة في هذا المجال أعاد الأمل لآلاف المصابين في متابعة حياتهم بعد أن كانت كابوساً مخيفاً.


اليوم يقصد أيمن المركز الطبي المسؤول عن تركيب الأطراف الاصطناعية، حيث يلجأ عشرات الأشخاص من مبتوري الأطراف من كافة المناطق والمحافظات السورية إلى مركز إعادة التأهيل والأطراف الاصطناعية في مشفى ابن النفيس، وهو المركز الوحيد في سورية الذي يقدم خدماته مجاناً بالكامل رغم التكاليف العالية.‏


ويستقبل المركز حالات بتر الأطراف العلوية والسفلية وتجري الدراسات العلمية والطبية اللازمة لكل حالة ليتم بعدها تصنيع الطرف المناسب داخل المركز ولكل مستويات البتور بمواصفات عالية الجودة وحسب المعايير العالمية وبإشراف فنيين متخصصين ما يساعد المصابين وفاقدي الأطراف للعودة إلى حياتهم العادية وممارسة نشاطهم المعتاد.


ويواصل مركز إعادة التأهيل والأطراف الصناعية الذي أحدث كمديرية مستقلة منذ عام 2014 بدمشق مهامه لمساعدة المصابين وفاقدي الأطراف للعودة إلى حياتهم الطبيعية وممارسة نشاطهم المعتاد رغم التحديات التي تواجه عمله نتيجة الظروف الراهنة.


ولا يقتصر عمل المركز على تركيب الأطراف الاصطناعية بل تدريب المصابين وإعادة تأهيلهم وتقديم العلاج الفيزيائي والحركي المناسبين بما يسهم في إدماجهم بشكل حقيقي في المجتمع.


مخاطر الألغام ومخلفات الحرب


تشمل آثار الألغام ومخلفات الحرب جوانب جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية، فعلى صعيد الآثار الجسدية، تؤدي الإصابة الناتجة عن انفجار إحدى المُخلّفات المتفجرة إلى قتل الأشخاص أو إصابتهم بتشوه أو إعاقة، وأبرز الإعاقات الناتجة عن هذه الإصابة تشمل: بتر الأطراف، والشلل، وفقدان كامل أو جزئي للبصر، وفقدان كامل أو جزئي للسمع.

 

يضاف إلى ذلك إصابة بعض الأعضاء الداخلية، بالحروق، والجروح المتعددة. وبالنسبة إلى الآثار النفسية يعاني مصابو المُخلّفات المتفجرة عادة من خلل أو اضطراب نفسي ناتج عن صدمة الإصابة، أو الآثار الجسدية الناتجة عنها.


كما تتسبب المُخلّفات المتفجرة في إعاقة الحركة الاقتصادية وبرامج التنمية، في مناطق وجودها، حيث إنها تمنع الاستثمار السليم للموارد الاقتصادية في المجتمعات المتضررة؛ فهناك الطرقات المقطوعة، والحقول الزراعية غير المستثمرة، وانعدام الحركة السياحية، كذلك تتسبب إصابة الأفراد في فقدان مصادر الرزق، وعبء العلاجات الطبية والتأهيلية الدائمة.


التوعية بمخاطر الألغام


تشير التوعية بمخاطر الألغام إلى أنشطة التوعية التي تهدف إلى الحدّ من احتمالات الإصابة بسبب الألغام والذخائر التي لم تنفجر، وذلك بإثارة الوعي وتشجيع تغيير السلوك، من خلال حملات إعلامية عامة، والتعليم والتدريب، والاتصال بالمجتمعات المحلية.


يجب العمل على زيادة الوعي وتقديم معلومات السلامة الأساسية المتعلقة بخطر مخلّفات الحرب (من بقايا مواد غير منفجرة وألغام وعبوات ناسفة) للأفراد الموجودين في المناطق المتضرّرة، لمساعدتهم في فهم إجراءات السلامة المناسبة، وتجنب الاحتكاك بالألغام والمتفجّرات من مخلّفات الحرب.


وتضمن التوعية بمخاطر الألغام أن تكون المجتمعات مدركة للمخاطر التي تنجم عن الألغام والذخائر التي لم تنفجر، وتشجيعهم على أن يكون سلوكهم مؤديًا إلى تقليل تعرّض الناس والممتلكات والبيئة للمخاطر.

 

والأهداف تتمثل في تقليل المخاطر إلى المستوى الذي يمكن عنده للناس أن يعيشوا في سلام، وإعادة توفير بيئة يمكن فيها تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية دون عوائق يفرضها التلوث بالألغام الأرضية.


وتسهم التوعية بمخاطر الألغام، إضافة إلى إزالة الألغام في تقليل مخاطر الألغام، أو الحدّ من احتمالات التعرّض لإصابات بدنية بسبب الألغام والذخائر التي لم تنفجر والتي تلوّث الأرض بالفعل.


لا تمرُّ أيام "أيمن" اعتيادية،  كلّ يوم هو نهوضٌ جديد له نحو الأمل كما لغيره من مصابي الحرب، ومتابعة للحياة بتحدي وإيمان وقوة وعزيمة.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=68914