وجهات نظر

عبث السياسة.. عبث الانتقامية

مهدي دخل الله


الاعلام تايم - صحيفة تشرين

 

الانتقامية «Revengisme» من أكثر ضروب السياسة عبثاً, ذلك لأنها تتطلب تكلفة باهظة من المنتقم ناهيك عمن يقع عليه فعل الانتقام.

 

والانتقامية تتخطى المصالح على الرغم من أن النظريات السياسية كلها تؤكد أن المصالح, ولا شيء غيرها, هي التي توجه سياسات الدول وحروبها ما دامت الحروب شكلاً من أشكال السياسة.


لدينا أمثلة كثيرة في التاريخ عن دول كبرى تصرفت في السياسة الدولية على قاعدة النظرية الانتقامية، هناك –على سبيل المثال– المقاطعة الاقتصادية التي غالباً تضر بمصالح الدولة التي وضعتها، خاصة إذا كانت المقاطعة موجهة ضد اقتصاد كبير كالاقتصاد الروسي مثلاً.. لا نبحث هنا عن المصالح وإنما عن غريزة الانتقام.


اليوم ألمانيا وفرنسا ودول أوروبية كثيرة تخسر في المصالح الشيء الكثير بسبب التزامها بالمقاطعة الأمريكية لروسيا وإيران، وقبل أيام احتجت ألمانيا علناً على تدخل أمريكا في شؤون التعاون الألماني- الروسي الذي يتم عبر السيل الشمالي ويحمل الغاز من روسيا الى ألمانيا مباشرة عبر بحر البلطيق.


لكن أبشع صور الانتقامية ما حصل في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، حيث كانت ألمانيا على وشك الاستسلام لكن جيوش الحلفاء «أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي» استمرت في قصف المدن الألمانية من دون هوادة حتى انتحار هتلر، بل إن قصف المدن استمر بعد ذلك من دون أي حاجة تكتيكية أو استراتيجية لذلك القصف.


كانت الانتقامية واضحة عند جيوش الحلفاء لدرجة أن برلين وهامبورغ وفرانكفورت وغيرها من المدن سويت بالأرض عملياً، ولو حسب الحلفاء ثمن القنابل التي ألقوها لوجدوا أنهم خسروا مثل الألمان، هذا يؤكد أن الانتقامية ليست لها علاقة بالحساب ولا بالمصالح.


انتقامية الكيان الصهيوني معروفة فهو يضرب في كثير من الأحيان لمجرد الانتقام، مجزرة قانا واحدة من شواهد عديدة على هذا السلوك، الولايات المتحدة وأوروبا في حصارها لسورية تطبق ثقافة الانتقام لأن الذي يتضرر من الحصار هو الشعب العادي مع أنهم يدّعون أنهم «أنصار الشعب السوري»، هذه الانتقامية من الشعب السوري تؤكد أنهم يرون في هذا الشعب بالذات عدوهم الأساس، وهي حقيقة تعترف بها أعمالهم وتنكرها تصريحاتهم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=62927