الاعلام تايم - جريدة الاخبار
أن تشهد الساحة الفلسطينية سلسلة عمليات ومحاولات ينفذها المقاومون الفلسطينيون ضد الاحتلال، وفي مواجهة إجراءات القمع والحصار، أمر مفهوم ومتوقع. لكن ما ينبغي التوقف عنده هو ردة الفعل الإسرائيلية التي اقتصرت حتى الآن على تكرار التهديدات والتوعد بعملية عسكرية واسعة، وصولاً إلى التبرير الرسمي لسياسة «ضبط النفس» بأن البديل هو تساقط الصواريخ. في محطات سابقة، لم يُسجّل هذا المستوى من «الانضباط» الإسرائيلي إزاء محاولات تنفيذ عمليات أسر في الضفة أو على الحدود مع قطاع غزة. أما اليوم، فقد أجمل وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الوضع الماثل أمام إسرائيل بالتأكيد الضمني على محدودية خياراتها. إذ رأى أن تل أبيب أمام احتمالين: أولهما «الوضع الحالي الذي نردّ فيه على كل نشاط»، وثانيهما الانتقال إلى «وضع الحرب، حيث ستسقط الصواريخ على إسرائيل، فيما سنعمل على هزيمة حماس». يلاحظ في موقف كاتس إقراره بعدم وجود خيارات بديلة يمكن إسرائيلَ اللجوءُ إليها من أجل ردع فصائل المقاومة عن المبادرة وتنفيذ العمليات أو إخضاع القطاع، من دون الاضطرار إلى خوض مواجهة واسعة، علماً بأن تل أبيب وضعت الكثير من الرهانات المماثلة خلال السنوات الماضية من دون نتيجة. ما يلفت أيضاً قول كاتس: «الآن، سياساتنا واضحة، نشدّد على الهدوء ونردّ على كل نشاط». حديثٌ يستبطن محاولة ممارسة ضغط على الجمهور الإسرائيلي للتكيف مع السياسة التي تنتهجها تل أبيب حالياً، عبر الرد الموضعي المحدود على نشاطات عملانية للمقاومة، وأحياناً الامتناع عن المبادرة إلى أي ردّ جدي كما حصل في اليومين الماضيين. ويتجلى هذا الضغط، بصورة أوضح، في التحذير المبطن من تداعيات خيار الحرب على الداخل الإسرائيلي، وكأن كاتس يخاطب الإسرائيليين بالقول: هذه هي الخيارات المتوافرة لدينا، فهل تختارون سقوط الصواريخ أم الوضع الحالي بسلبياته القائمة؟ أما بخصوص ما قاله عن أنه «قد تأتي اللحظة التي تقرر فيها إسرائيل أن تعمل بشكل شامل، وعندها لن تكون هناك حصانة لقادة حماس»، فليس فيه أي جديد بالنسبة إلى فصائل المقاومة، لأنه في حال المواجهة الشاملة سيكون كل شيء مفتوحاً على الجبهتين. إلا أن التحدي أمام إسرائيل هو أن تبادر إلى مثل هذا الخيار رداً على عمليات موضعية تنفذها المقاومة، وهو ما لم تجرؤ عليه حتى الآن، نتيجة إدراكها حجم الثمن الذي ستدفعه، والذي يشكل الاستهداف الصاروخي لعمق الكيان القدر المتيقن منه.
أما بخصوص الوضع الأمني، فقد كان كاتس متواضعاً ودقيقاً، بإشارته إلى أن ثمة مساعي لتحسينه، بعدما نجحت المقاومة في فرض واقع أمني مرتبك في مستوطنات غلاف القطاع، وفشلت إزاءها كل المحاولات لثنيها عن مواصلة المسيرات واستخدام الأدوات الخشنة. لكن الوزير الإسرائيلي لم يوضح للجمهور العوامل التي أدت الى تضييق خيارات حكومته، وصولاً إلى وضعها أمام خيارين اثنين فقط. إذ إن أي تطرق إلى هذه العوامل سيكشف بوضوح فشل السياسة العدوانية والردعية التي اعتمدتها تل أبيب خلال السنوات الماضية ضد المقاومة في غزة.
أتى ذلك بعد حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال مراسم رسمية لعناصر «الشاباك»، عن إحباط أكثر من 600 عملية خلال العام المنصرم. وبقدر ما تباهى نتنياهو بهذا «الإنجاز» الأمني لـ«الشاباك»، بقدر ما عكست معطياته حقيقتين أساسيتين: أولاهما حجم المساعي التي يبذلها الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وثانيتهما الدور الذي يؤديه التنسيق الأمني في مواجهة المقاومة. وفي كل الأحوال، هي تأكيد لوجود الأرضية الشعبية التامة لانطلاق مقاومة فاعلة ومتواصلة، في حال توفر المقومات المطلوبة لها، وهو ما تخشاه تل أبيب وواشنطن، وتعملان على منعه.
|
||||||||
|