وجهات نظر

عتبات.. تراجع الهجرة إلى «إسرائيل» بأرقام قياسـية.. وازديـاد العكسية بأرقام قياسـية أيضاً

تحسين الحلبي


الاعلام تايم _ تشرين

 

إذا كانت أهداف الكيان الصهيوني الرئيسة والمباشرة والملموسة تتعرض للتراجع سنة تلو أخرى بمختلف أنواعها بموجب لغة الأرقام التي تظهر في مراكز أبحاثه وفي عدد من التقارير الرسمية التي يضطر إلى نشرها.. فإنه من الطبيعي أن تشكل النتائج الكامنة والظاهرة التي يفرزها هذا التراجع على مجمل وضعه مكاسب وإنجازات لجميع القوى المتصدية له والمتمسكة بمقاومتها ضده.


فمنذ الاعلان عن تأسيس هذا الكيان الغاصب عام 1948 حدد متزعموه السياسيون والعسكريون عدداً من الأهداف الرئيسة التي رؤوا أنها تشكل أهم عوامل «حصانته وقوته» وفي مقدمة هذه الأهداف:
1- استمرار تهجير القوة البشرية اليهودية إليه من دون انحسار أو توقف. فقد جاء في كتاب ميخائيل بار زوهر «حياة بن غوريون الفصل الأول ص 319 »: «إن الهجرة المستمرة هي جوهر حياتنا ووجودنا ومن دونها لا أمل لنا ولا وجود لمشروعنا».


2- في الحروب الحديثة بعد عدوان حزيران 1967 قال الجنرال عوزي دايان رئيس ما يسمى مجلس الأمن القومي «2003- 2005»: «إن قدرة الردع الإسرائيلية تكون قوية وفاعلة حين تمنع أياً كان عن استهدافها بالقوة المسلحة».


فهل تمكّن الكيان من المحافظة على استمرار تدفق القوة البشرية.. وهل تحقق له إيقاف استمرار المقاومة واستهدافها لقوات الاحتلال الإسرائيلية بالعمليات العسكرية؟


إن الأرقام التي نشرتها وسائل الإعلام ومراكز استطلاع الرأي الإسرائيلي في السنوات الماضية حتى هذه اللحظة تؤكد أن الكيان لم يقدر على تحقيق هدفه من الهجرة، ففي عام 2018 سجل آخر الأرقام أن 14 ألفاً فقط وصلوا إلى الكيان، ومعظمهم من المسنين، برغم أن عدد اللجان الصهيونية التي تساعد في تهجير اليهود إلى «إسرائيل»، إلى جانب وزارة الاستيعاب المكلفة بتهجير اليهود، يزيد على 50 لجنة منتشرة في دول كثيرة في مقدمها أمريكا وأوروبا.


لكن هذا الرقم قد يحمل معاني كبيرة حين تتحدث الأرقام الأخرى عن الهجرة المعاكسة، ففي الأول من آب 2017 نشرت صحيفة «جروزاليم بوست» مقالاً بعنوان «هل تستطيع «إسرائيل» أن تعيد مليوناً من اليهود غادروا إلى أمريكا» وذكرت أن سفارة الكيان في واشنطن أحصت وجود ما بين 750 ألفاً إلى مليون تحولوا إلى مواطنين أمريكيين ولا يرغبون في العودة إلى «إسرائيل» وقد نفذوا هجرتهم المعاكسة خلال العقدين الماضيين.


وقبل ذلك نشرت صحيفة «هآريتس» في ملحقها الأسبوعي في 31 كانون الأول عام 2012 أن 40% من اليهود في الكيان الصهيوني لا يرغبون في البقاء في «إسرائيل»، ويعدّون أنفسهم للعودة إلى الدول التي جاؤوا منها في أوروبا، بعد أن تبين للكثيرين منهم أن اليهودي المعرض للموت أو الإصابة بجراح هو اليهودي الذي يبقى في «إسرائيل»، ويرى آخرون أن استعادتهم مواطنيتهم في الدول الأوروبية سيتيح لهم دخلاً مالياً سنوياً أكبر وحياة أفضل.


وإذا تناولنا موضوع «قدرة الردع» الإسرائيلية التي يحدد قيمتها وتعريفها الجنرال عوزي دايان فسوف نجد أن جبهات إطلاق النار والقذائف والصواريخ على الكيان الصهيوني وجيشه ازدادت في العقدين الماضيين وتمكنت قوى المقاومة التي تستمر في التصدي لهذا الكيان من تحرير جنوب لبنان وفرض الانسحاب على «إسرائيل» من دون قيد أو شرط عام 2000، ثم دحرت أكبر عدوان يشنه جيش الكيان عام 2006، وقضت على محاولات الجيش الصهيوني ايقاف ازدياد قدرات المقاومة في جبهة الشمال الممتدة من جنوب لبنان إلى أطراف الجولان السوري المحتل، وكذلك قدرات المقاومة في جبهة قطاع غزة التي تشهد يومياً مواجهات متنوعة ومتصاعدة أسقطت بوساطتها «قدرة الردع» الإسرائيلية، وأجبرتها على التراجع المستمر.


وبوساطة هذه المعادلة أصبحت المقاومة في الشمال وفي الجنوب هي التي تردع جيش الكيان عن شنّ حرب شاملة، لأنه لم يعد واثقاً من تحقيقه أهدافه منها، برغم قدراته العسكرية الهائلة والمتطورة، ولذلك أصبح خبراء الحروب في الولايات المتحدة يعترفون بأن المجابهات الدائرة في تلك المنطقة أصبحت حرب إرادات أكثر منها حرباً بين أسلحة ومعدات عسكرية بين أطراف متحاربة، ويضيف هؤلاء أنه لو قيست الأمور عسكرياً فإن «إسرائيل قد تكون هي الأقوى»، لكن الجانب المعنوي وجانب التصميم والإرادة عند أطراف المقاومة هو المتفوق أمام الضعف المعنوي وغياب الإرادة الصلبة عند الإسرائيليين، وتفضيل نسبة كبيرة منهم الخروج من هذه الدوامة والهجرة إلى أوروبا، وإلى أمريكا بشكل خاص.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=62201