وجهات نظر

مسعى ساترفيلد لترسيم الحدود: من يقرع طبول الحرب؟

طوني خوري


الإعلام تايم - النشرة

 

غريب أمر الشائعات​ والأقاويل، فهي لا تكاد تخفت حيناً حتى تسرق الاضواء احياناً، وتراها حاضرة في كل "شاردة وواردة"، وفي كل خبر وعلى مفترق أي حادثة أو موضوع، وهي تعلم كل شيء قبل الآخرين ولا أحد يعلم عنها شيئاً، فتراها تغزو عقول ا​للبنانين في حقول ​الصحة​ والعلم والطعام ووسائل النقل و​السياسة​ والأمن والاقتصاد و... واللافت أن الشائعات لا تنحصر بحدود جغرافية، فهي محلية واقليمية ودولية في آن.

 

الغاية من هذه المقدمة بسيطة، وتتعلق بما غرقت به الساحة اللبنانية في الآونة الاخيرة من اخبار بعد الجولة المكوكية التي قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون ​الشرق الاوسط​ ​ديفيد ساترفيلد​ الى لبنان و​اسرائيل​ في مسعى لإيجاد حل لترسيم الحدود. في المرة السابقة، كانت التشاؤم يخيّم على هذا المسعى اثر الاجواء السلبيّة التي عاد بها ساترفيلد الى لبنان من ​تل أبيب​، وانتشرت ​الأخبار​ مثل النار في الهشيم أن الحرب باتت على الأبواب، وأن اسرائيل تعدّ العدة لصيف ساخن.

 

اليوم، عاد ساترفيلد بأجواء ايجابيّة باعتراف المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم (لم يلتق ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​)، ولكن رغم ذلك، سرت شائعات في الساحة اللبنانية عن تشاؤم كبير وعن "وجهين مزدوجين" يقلّب بينهما ساترفيلد في لقاءاته في لبنان. من الصعب حقيقة ان يدرك المرء ما الذي يرغب به الناس، هل يريدون تسويق ما يرغبون به ام يريدون معرفة واقع الامور؟.

 

لا يمكن لاثنين أن يختلفا أن عالم السّياسة مليء بالكذب، ولكن في المقابل، لا يمكن ايضاً تبنّي وجهة نظر واحدة دون الاخذ بالوجهة الثانية او مراقبة الاوضاع عن كثب لتبيان الخيط الحقيقي من الوهمي. لا احد يمكنه التنبؤ بما تحمله الايام المقبلة، وهذا امر متروك لله وحده الذي يعلم كل شيء، ولكن من المنطقي محاولة استشراف الامور والاجواء، ليتحضر المرء لما يمكن ان ينتظره، دون ان يعني ذلك ان ما يتوقعه هو الصحيح. وانطلاقاً من هذا المفهوم، هناك من يرغب وبشدّة ان يستمر قرع طبول الحرب، أياً تكن النتائج ومهما كانت الاجواء وعلى الرغم من كل الكلام الرسمي وغير الرسمي الذي يناقض هذا التوجه. الأم استند قارعو الطبول في شائعاتهم؟ هل استندوا الى عدم رغبة اسرائيل في الدخول في مواجهات عسكرية حتى قبل ​الانتخابات​ التي اجريت، والتي عادة ما يستبقها رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ بعمل عسكري؟ هل استندوا الى السقف الكلامي المرتفع (والتشديد هنا على الكلامي) الذي يدور بين ​ايران​ و​واشنطن​ دون ان يصل الى حد خرق السقف، وهو ما اتضح من خلال تصريحات لمسؤولين من الجانبين تؤكد عدم الرغبة في خوض ايّ حرب؟ هل اعتمدوا على مواقف المسؤولين في ​حزب الله​ وفي ​الجيش الاسرائيلي​ من ان اي منهما لن يشعل فتيل الحرب على الحدود اللبنانية؟ ربما قد يكون استند هؤلاء الى بعض النقاط الخلافية، التي لا تزال موضع اخذ ورد بين لبنان واسرائيل عبر الطرف الاميركي الممثل بساترفيلد، ولكن اذا كان هذا هو الحال بالفعل، فيجب على هؤلاء ان يعلموا ويدركوا أن المفاوضات هي من أجل هذه النقاط تحديداً، ولا يمكن حلها باجتماع واحد أو بساعات قليلة، ولكنها لا يمكن أن تكون سبباً لاندلاع حرب، طالما أن الإطار العام قد تم الاتفاق عليه.

 

فليترح قارعو طبول الحرب قليلاً، وليرحموا طبولهم لبعض الوقت وليأخذوا في الاعتبار وضع الناس الذي لا يحتمل تأكيدات عن المستقبل على لسان اشخاص امتهنوا الشائعات، فإن اصابت ارتفعوا الى مرتبة المتنبئين، وان خابت يعمدون الى اطلاق شائعات جديدة علّها تعوّض النقص الذي عانوا منه. قد تتغير الاوضاع، ولكن حتى اليوم، فإن كل المؤشرات توحي بأن الحرب ليست مطروحة على بساط البحث، وأن مقوّمات اندلاعها غير متوافرة بعد إقليمياً ودولياً، الا لدى قارعي الطبول!.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=60858