وجهات نظر

كيف ستتعامل روسيا مع المخرج الأميركي لقضية الخاشقجي؟

شارل أبي نادر


الإعلام تايم - العهد

 

ليست روسيا هي الدولة الوحيدة التي تنتظر كيفية الاخراج لملف مقتل او اختفاء الصحافي السعودي المعارض  جمال خاشقجي في اسطنبول، فهناك العديد من الدول تحبس انفاسها بانتظاركيفية إنتهاء القضية وكيفية تحديد المسؤوليات، فالقضية شغلت الرأي العام الدولي مؤخرا بشكل غير مسبوق، مع ان ما يجري من احداث وجرائم وكوارث على امتداد العالم، يتجاوز وبشكل كبير، وقائع وتداعيات ملف الخاشقجي.

 


صحيح ان هناك العديد من الدول المعنية مباشرة بالقضية والتي تعمل على تظهير المخرج المناسب، كالولايات المتحدة الاميركية وتركيا، بالاضافة طبعا للمملكة العربية السعودية كمتهم رئيس بالجريمة، ولكن، تبقى روسيا ـ مع انها لا تملك اي تأثير بتاتا بالملف ـ الدولة الاكثر اهتماما بشكل و مضمون هذا الاخراج، وهي تنتظره بفارغ الصبر للبناء عليه، وذلك استنادا للمعطيات التالية:

 

المشترك بين جريمة قتل الخاشقجي وجريمة محاولة قتل العميل المزدوج السابق للمخابرات الروسية والبريطانية، الروسي “سيرجي سكريبال” وابنته، هو خضوع الجريمتين للقانون الجنائي الدولي، حيث أن السلطات الرسمية في دولة ذات سيادة مُتهمة، بارتكاب جريمة بحق احد مواطنيها خارج ارضها، مع مفارقة ان جريمة الخاشقجي حصلت في قنصلية السعودية في تركيا.

محاولة تسميم سكريبال وابنته حصلت في مكان عام داخل مدينة سالزبوري جنوب إنكلترا، بعد تسممهما بمادة “فنتانيل” الغامضة، وقد تم حينها إتهام عملاء تابعين للمخابرات الروسية بمحاولة التسميم، في الوقت الذي نفت فيه موسكو بشدة الاتهام، واعلنت استعدادها لفتح تحقيق مشترك مع السلطات الانكليزية لجلاء القضية، واضعة الموضوع في إطار تركيبة مخابراتية غربية للايقاع بروسيا، وعلى خلفية ذلك الاتهام، فُرض على الاخيرة عقوبات اميركية وغربية، اقتصادية ومالية وديبلوماسية، بالرغم من انه حتى الان، لم تستطع السلطات الانكليزية اثبات او تأكيد اتهاماتها لروسيا.

 

في جريمة الخاشقجي، وحيث تؤكد جميع المعطيات التركية ( به الرسمية) او (القريبة من الرسمية) مقتله في القنصلية السعودية في اسطنبول بطريقة بشعة ووحشية، من قبل فريق امني وطبي سعودي متخصص ومحترف، دخل الاراضي التركية خصيصا للعملية وخرج بعد تنفيذها بساعات، بالرغم من ان حجز فنادق الفريق كان لاربعة ايام، يدور الحديث حاليا على ايجاد مخرج للجريمة، يتمثل باتهام أشرار اوعناصر مارقة او غير منضبطة، نفذت الجريمة استنادا لقرار شخصي (غير مفهوم لصالح من) ودون العودة الى القيادة السعودية المتمثلة بولي العهد او بادارة المخابرات العسكرية او الامنية السعودية.

 

استنادا لما يتم التداول به، اعلامياً او من خلال تصريحات المسؤولين المعنيين، في تركيا او في السعودية او في الولايات المتحدة الاميركية، ستتوزع إحتمالات تحديد المسؤولية في مقتل الخاشقجي بين تحميل المملكة العربية السعودية كدولة، المسؤولية عن الجريمة البشعة بشكل رسمي، سلطة ومسؤولين، او بين تحميل عناصر امنيين او ديبلوماسيين سعوديين المسؤولية بشكل شخصي، خارج قرار السلطة السعودية، عن قصد بقرار ذاتي، او عن غيرقصد بطريق الخطأ اثناء التحقيق مع الضحية، بعد التمادي في الضرب المبرح والتسبب بالقتل نتيجة الايذاء العنيف دون قصد القتل.

 

انطلاقا من المسؤوليات المحددة اعلاه، والتي تنتظرها روسيا لكي تعمل عليها لبناء استراتيجية مواجهة جديدة، يمكن استنتاج ما يلي:

في حال تحميل السعودية رسميا المسؤولية، سيكون لذلك تداعيات مهمة لناحية العلاقة السعودية الاميركية، كانت اصلا قد هددت بها المملكة مؤخرا، على خلفية تسريبات اميركية شبه رسمية عن فرض عقوبات غير مسبوقة على المملكة، الامر الذي ستتلقفه روسيا بشكل واسع ومركز وستعمل عليه، انطلاقا من التصريحات السعودية شبه الرسمية التي صدرت على لسان تركي الدخيل مدير قناة العربية السعودية، ونواة ذلك هو لجوء المملكة الى الحضن الروسي، اسلحة و قواعد عسكرية وتوجها سياسيا وديبلوماسيا و اقتصاديا.

هنا يمكن القول ان روسيا ستكون الرابح الاكبر من ادانة السلطة السعودية رسميا بالجريمة، وهذا سيترتب عليه تحولا كبيرا وصادما في السياسة الاقليمية والدولية لصالح روسيا والصين وايران وتركيا.

 

في الحالة الثانية، والتي هي الاكثر ترجيحا، ستتحدد المسؤولية بادانة عناصر سعودية، من الامنيين والديبلوماسيين، بجريمة قتل الخاشقجي بعد تعذيبه وتشويهه، دون علم قيادتهم، او ستكون مسؤوليتهم التسبب بقتله اثناء التحقيق معه بطريقة عنيفة لم يستطع تحمّلها فتوفي، وبنتيجة ذلك سيكون هناك مخرجا مقبولا للسلطة السعودية، والتي ستقدم لكل من تركيا و الولايات المتحدة الاميركية بدلا لهذا المخرج، الكثير من الاموال والعقود والتعهدات والخدمات، بالاضافة لمروحة واسعة من القرارات الديبلوماسية والسياسية من التي تتحكم او تؤثر بها المملكة في الاقليم خاصة.

 

في هذه الحالة (مسؤولية اشرار دون علم القيادة) سيكون التصويب الروسي على النقاط التالية:

مقابل التقديمات الضخمة المختلفة من قبل اي دولة ( المملكة العربية السعودية هنا )، تتغير إنتقائياً مفاهيم ومبادىء القانون الدولي، ويصبح المخرج الذي يبرىء هذه الدولة المتهمة بشكل جدي جاهزاً، مهما كانت المعطيات والوقائع صالحة لادانة تلك الدولة.

 

أيضا في حال كان هناك توترا في علاقة دولة معينة مع مجموعة دول اخرى، كما هو الحال بين روسيا والغرب مؤخراً، وعلى خلفية إتهام هذه الدولة بجريمة جنائية دولية، كمحاولة قتل سكريبال وابنته، وفي حال عجزت هذه الدولة ( روسيا هنا ) او إمتنعت عن تقديم خدمات مالية او تنازلات سياسية او غيرها،، يصبح القانون الدولي واجب التطبيق فورا، مع او دون اثباتات، مع عدم امكانية المراجعة او الدفاع عن النفس، وسلاح العقوبات الاقتصادية، على الاقل، سيكون جاهزا ليُفرض على الدولة المتهمة، بمعزل عن اثبات مسؤوليتها او عدم اثبات مسؤوليتها .

 

وهكذا ستثبت روسيا، وفي إطار المواجهة المفتوحة اصلا مع دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة الاميركية، ان القانون الدولي عقيم وعاجز عن إحقاق الحق، وان هناك امثلة كثيرة تضاف على قضية الخاشقجي وتركيبة مقتله الوقحة، من العراق سابقا واتهامه زورا بامتلاك اسلحة دمار شامل وشن حرب عليه وتدميره، الى الحرب الظالمة على اليمن وما حملته من مجازر و جرائم ضد الانسانية وضد القوانين الدولية، على مرأى من الامم المتحدة العاجزة عن توقيفها، الى الحرب على سورية وما كشفته من تواطىء دولي في التسبب بها وتفعيلها، الى الكثير من الحروب والملفات الدولية الظالمة وغير العادلة.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=55699