تحقيقات وتقارير

صبية وقذيفة.. مشهد عصي عن النسيان!!


الإعلام تايم - رنا الموالدي

 

إنها العاشرة صباحاً.. الصورة أمامي.. إحساس عميق بالبكاء..  كيف سأصمد؟ خائفة كثيراً!!.. قذيفة صاروخية تنفجر بالقرب مني.. لوهلة توقفت وتوقف الاحساس الواقعي وصرت بالمجهول.. خشيت أن أرفع رأسي.. ماذا أفعل يا الله؟


نظرت إلى السماء.. الموت خطف أرواحاً بثوانٍ.. وآخرون يصل أنينهم الى مسمعي.. أصوت الاسعاف من بعيد طرقت أبواب ذهني لأعود الى الواقع.. إنه طوق النجاة.. تسمرت في نفس المكان بينما الناس كلٌ في اتجاه هو بنظره الطريق الآمن.. وصلت طواقم الاسعاف وأنا أرنو وأحدق بالمسعفين وهم يحملون على عرباتهم من بقي فيه رمق الحياة.


لا زلت في مكاني.. صمتٌ جعلني أشلاء متناثرة.. قدماي كأنما أصابها الشلل وأخذت اتمم يا رب أنقذنا..


هو مشهد من مسلسل سقوط قذائف الهاون العشوائية أو "قذائف الموت" على أحياء العاصمة دمشق التي خلفت وراءها شهداء  وجرحى وأرامل وثكالى وأيتام.. خوف ورعب.. حدثتنا به "صبية" كتب لها القدر أن تكون في ساحة الامويين، حيث سقطت إحدى قذائف الموت.. مشهدٌ "صغير في الذاكرة.. عصي عن النسيان."


ليتابع نقل المشهد أحد المسعفين.. "الشهداء يصبحون رقماً داخل سيارات الإسعاف،  أما المصابون فسباق مع الزمن يبدأ عند تلقي نداء الاستغاثة، "نضطر للعمل دون توقف هدفنا إنقاذ الأرواح  والعمل على الوصول للمصابين بأقل وقت ممكن ونجدة أكبر قدر ممكن"..


وأضاف " نحن أول من يصل المصابين والشهداء والجرحى ويهبُّ لنجدتهم وسط الدمار والنار.. ففي الحروب هناك من يحتمي من الضرب..  يوجد شهداء يجب إخلاء الميدان منهم، مصابون يجب إسعافهم، منهم من قد يفصل بينه وبين الموت لحظات، إنها ليست أزمة تعيشها  سورية بل "كارثة" دموية وقد تمضي عشرات السنين قبل أن نلملم جراحها التي لم تترك زاوية أو ركناً من أركان البلاد إلا طالها جزءاً من خرابها".


ولعل أكثر القطاعات التي يمكن أن نحتاجها في ظل استمرار الحرب على سورية هو "القطاع الصحي" الذي طاله الخراب والتدمير كما طال غيره من القطاعات الخدمية، ذلك أن تراجع العمل ولو جزئياً فيه قد يتسبب بحالات وفاة الكثير من المرضى والمصابين الجرحى أو من يحتاجون العلاج فلا يجدوه.


المشافي الحكومية والهلال الاحمر العربي السوري هي من تتولى المهمة،  خدمات طبية متنوعة تشمل الإسعاف والعيادات الخارجية والعمليات الجراحية مجاناً، كوادر تعمل كخلية نحل، بانتظار أي طارئ ، بعد الانطلاق لطواقم الاسعاف يكون التواصل معهم على شبكات اللاسلكي الخاصة، والتأكد من تنفيذ المهمة، إيصال المصابين إلى المشافي، ثم تعود سيارة الإسعاف إلى المكتب الرئيسي، لينتظرها طاقم آخر من المتطوعين يعيدون تجهيز السيارة لمهمة أخرى وما أقربها.


القطاع الصحي الذي تعرض خلال سنوات الحرب لاستهداف ممنهج من قبل المجموعات الإرهابية طال مختلف مكوناته من كوادر طبية و إسعافية و منشآت خدمية و إدارية ومعامل أدوية وعربات الإسعاف، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على الشعب السوري، والتي شكلت عبئاً إضافياً على القطاع الصحي تمثل بصعوبة الإجراءات التعاقدية لاستيراد اللقاحات والأدوية والتجهيزات الطبية والمواد الأولية الدوائية.. رغم ذلك بقي القطاع الصحي عضواً فاعلاً في جمعية الصحة العالمية وعمل في إطار الظروف المتاحة  لتوفير متطلبات الصحة العامة، والحفاظ على استقرار الوضع الصحي في الوطن وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية وهو مستمر في تقديم خدماته لكافة المواطنين بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عبر المشافي والمؤسسات الصحية والعيادات الطبية المتنقلة لتأمين الاحتياجات الطبية من لقاحات وأدوية ومعالجة الامراض المزمنة.


وهكذا سيارة الاسعاف تهرع ويقفز المسعفون يرتدون الابيض قد يكون هناك كاميرا تلتقط المشهد.. لطفل احترق وجهه، وآخر فقد أطرافه العلوية، وثالث فقد أطرافه السفلية، ورابع وخامس.. مأساة ترسمها  القذائف الصاروخية دون أن يرف لمطلقيها جفن أو يتحرك في قلوبهم شيء من الرحمة في حرب مستعرة، حرب لها وجه واحد، بشعة.. سأصيح وأصرخ وسأقدم شهادتي كناجية أن للمشافي العامة ولا سيما أقسام الإسعاف ومراكز الرعاية الصحية الأولوية في التصدي لرحى حرب طحنت كل من صادفته دون أن تميز بين صغير أو كبير، شاب أو عجوز، حيث مارس الارهاب أبشع الجرائم قتلاً وتدميراً.


كانت هذه رسالة "الصبية" وقد ظلت لساعة في قسم الاسعاف بمشفى المواساة تنتظر بعض الاجراءات لتخريجها، فيما كان هناك من يموت شيئاً فشيئاً على طاولة العمليات.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=51488