الحدث السياسي

معركة يبرود وسياسة القضم


لم تتوقف معركة القلمون حتى تبدأ من جديد، بهذه الكلمات استقبلنا أحد الضباط المشرفين على العمليات في منطقة القلمون، حيث استطاع الجيش السوري التقدم وتطهير بلدة الجراجير المحاذية لمدينة يبرود في جبال القلمون في ريف دمشق.
بلدة الجراجير تقع شمال يبرود، وتعتبر الطوق الثاني للمجموعات المسلحة في محيط المدينة، والذي اعتبرته المجموعات المسلحة، خط دفاع لها، أمام أي هجوم على اطراف المدينة الشمالية.
فبمجرد تحرك قوات النخبة من الجيش السوري والمدربة على حرب الجبال والمرتفعات، وتثبيت مواقعها في المرتفعات المحيطة بالبلدة، قامت المجموعات المسلحة بالهرب منها نحو بلدة فليطة ورأس المعرة المجاورتين. هذه العملية العسكرية اعتبرها المراقبون بمثابة المرحلة الثانية لمعركة القلمون، والتي تحمل عنواناً وحيداً، وهو عرسال ويبرود.
عندما وصلنا الى الطريق المحاذي لبلدة الجراجير والممتد حتى بلدة السحل، أطلت علينا من أعلى قمة بلدة فليطة، والتي تعتبر من أهم الطرق للسيارات المفخخة من يبرود ورنكوس وعسال الورد، إلى الداخل اللبناني، ما جعلنا ندرك طبيعة المعركة التي سيخوضها الجيش السوري في مناطق هي عبارة عن عدة مرتفعات متلاصقة، لا يفصل بينها الا بعض السهول الضيقة، ما يجعل الجيش السوري يعتمد على تكتيكات مختلفة، عن العمليات السابقة بالذات في نفس المنطقة.
هذه التكتيكات أخبرنا مرافقنا أنه اطلق عليها الجيش السوري مصطلح "حشر المسلحين في الجغرافيا"، حيث بدأ الجيش السوري بعملياته تنفيذاً لعزل المسلحين من خلال الالتفاف عبر عدة محاور، كان أهمها بلدة جراجير، ومن ثم التقدم نحو التلال المحيطة ببلدة السحل، وتثبيت مراصد ونقاط لوحدات الاسناد الناري، كمقدمة لتنظيفها، ما يجعل بلدة فليطة تفقد الرئة التي تتنفس من خلالها، ومن المحور الجنوبي الشرقي، استطاع الجيش السوري مدعوماً بوحدات من الدفاع الوطني التقدم في بلدة القسطل، بهدف إرباك الهياكل التنظيمية لغرف الاتصال بين المجموعات المسلحة وتضييق جغرافية التنقل بينها.
لم تتوقف العملية العسكرية رغم قساوة الظروف المناخية، فقد استطاع الجيش السوري السيطرة على تلال ضهرة البقعة المشرفة على يبرود، وعلى التلال المحيطة ببناء الكويتي، ذلك البناء الذي يعتبر غرفة عمليات رئيسية للمجموعات المسلحة في قاطع يبرود بشكل عام، فيما تقدّمت وحدات أخرى نحو مزارع ريما ليفتح الجيش السوري ثغرة في تلك المزارع تكفي لتثبيت وحدات فيها.
الحصار المطبق ومن ثم القضم التدريجي والتغلغل ببطء للحد من أي اصابات بين جنود الجيش السوري، هي إحد أهم التكتيكات المتبعة حتى في معركة القلمون، وهذا واضح جداً من خلال إغلاق الجيش السوري لكل مداخل يبرود، بل استمر في عمليات القضم، حيث استطاع كسر خط الدفاع الأول في منطقة مزارع ريما، وتشتيت القوة فيها، وتثبيت نقاط رصد واستطلاع له فيها، ما سيمنحه فرصة للمناورة بالوسائط والنيران في ذلك المحور.
التلال الجرداء المحيطة بمدينة يبرود، لم تشكل ساتراً طبيعية لاختفاء المسلحين، بل ساعدت كثيراً على كشف تحركاتهم في تلك التلال، ما ساعد الجيش السوري بالاستفادة من تلك الجغرافيا، لقيامه بعمليات تسلل ليس فقط عبر جنود المشاة بل عبر الآليات، كون تلك التلال المرتفعة شكلت عائقاً في الرؤية لدى المجموعات المسلحة، بالذات التلال المحيطة ببلدة السحل، حيث يستطيع من خلالها الجيش السيطرة نارياً على البلدة، مستفيداً من الشيارات الصخرية، ومن المغر الطبيعية كمتاريس، رغم بردودة الطقس، ووعورة المنطقة.
وبحسب مصدر عسكري، فإن المعارك في محيط مدينة يبرود ستسمح للجيش السوري بحصار المسلحين داخل بقعة جغرافية ضيقة، وصعبة طبوغرافياً، ما سيعجل في انهيار معنويات المجموعات المسلحة، فيما أشار المصدر إلى أن تنظيف مدينة يبرود سيكون له نتائج إيجابية على عدد كبير من المناطق في ريف دمشق وجنوب وشرق حمص، حيث ستفقد المجموعات المسلحة، العمق الاستراتيجي الواصل حتى عرسال اللبنانية، اضافة الى خطوط الامداد والتسليح، ما سيجعل المسلحين ضمن حلقة نار تمتد من الطوق الأمني في الغوطة الشرقية، حتى الحدود اللبنانية، تلك الحدود التي يبلغ عدد المعابر غير الشرعية فيها، التي تمتد من شمال شرق عرسال إلى جنوبها مع امتداد سلسلة جبال القلمون، نحو 18 معبراً. وتابع المصدر العسكري أن الجيش السوري استطاع السيطرة النارية والميدانية على اكثر من نصف تلك المعابر.

حسين مرتضى

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=1&id=5071