تحقيقات وتقارير

الإنجاب في زمن الحرب.. "بيجي الولد وبتجي رزقته معه".. !


الاعلام تايم _ نسرين ترك

"بيجي الولد وبتجي رزقته معه".. في الظاهر تبدو هذه المقولة الشعبية عادية، إلّا أنها على "بساطتها" شكّلت مرجعاً ومبرراً للإكثار من إنجاب الأطفال دون الاكتراث أو تحمّل لأي مسؤولية في تأمين الحدّ الأدنى من حقوق الطفل، خاصة في زمن الحرب الصعب.. فكانت وراء بؤس وتعاسة الكثير من الأطفال ممّن لا ذنب لهم.

 

والأخطر من ذلك..  شيوع تداول مثل هذه المقولات في بلدنا بكثير من السطحية والاستخفاف لتشكل ثقافة وأسلوب حياة بالنسبة للكثيرين، ما يضعنا أمام معوقات هائلة للتنمية البشرية، خاصة وأن الحرب على سورية إضافةً إلى الحروب التي تشهدها المنطقة، أصابت العديد من الأسر بأضرار جسيمة وخلّفت أعداداً كبيرة من النازحين واللاجئين الذين باتوا يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية.

 

وفي الحرب كما في السلم، تستقطب المسألة الصحية مجمل الاهتمامات، وخاصة صحة الأطفال والنساء الأكثر معاناةً وحرماناً من الخدمات العامة الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم، وفي سورية نرى المنظمات الدولية ووزارة الصحة والجمعيات تهرع لمدّ يد العون خصوصاً في موضوع الحمل والولادة واللقاحات ومشاكل الأطفال الجادة لمواجهة الكوارث الإنسانية.

 

 وبحسب مجموعة من الدراسات فإن هناك اتجاهات بالغة الخطورة تتعلق بصحة النساء في الحروب، أولها ارتفاع معدل الخصوبة في البلاد ذات الدخل المحدود  بسبب ازدياد عدم الأمان الاجتماعي وانقطاع خدمات الصحة الإنجابية وتدني تثقيف النساء، وثانيها ارتفاع معدل وفيات الأمهات (وهذا ما يظهر في التقارير عن سورية عن ارتفاع معدلات وفيات الأمهات) نتيجة تدهور البنى التحتية الصحية الذي يزيد من مخاطر الوفاة المرتبطة بالحمل والولادة.

 

كما تؤدي الحروب أيضاً إلى انقطاع الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة وصعوبة الوصول إليها، ما يجعل استمرار استعمالها والحصول عليها أو على بديلها أمر بالغ التعقيد في كثير من الأحيان.. والذي يزيد من حجم الحاجات غير الملبية لتنظيم الأسرة ليغدو الإكثار من الإنجاب  في نظر بعضهن "ثقاقة" لا اختلاف فيها بين مهجرين في مراكز الإيواء أو غيرهم طالما يسكن هذا الاعتقاد العقول ونفوس الأفراد والمجتمع.. ويشكل الملاذ الوحيد بالنسبة للكثيرات  فبينما يرتاب البعض من إنجاب النازحات، ترتاب النازحات من عدم الحمل والإنجاب دون اكتراث إلا لحساب بقاء زواجهن واستمراره.. ويرددن"إذا ما أنجبت ولاد بحسب رغبة عيلة زوجي، بطلقني وبيتزوج امرأة ثانية".. وهناك أسباب أخرى تتعلق بواقع الحرب نفسها وخسارة الأطفال والتي يتوجب على العائلات والنساء تعويضه، حيث تقول إحداهن "نريد أن ننجب أكثر لأننا خسرنا الكثير.. قكل واحد خسر فرداً أو أكثر من أسرته". حيث يرى البعض أن الإنجاب والتكاثر وسيلة للتعويض مدفوعين بغريزة البقاء..

 

لكن كيف لهذا الخيار أن يكون حلاّ للكثير من مشاكلنا.. ودون أي مبالاة..!!  وما يلي ذلك من حرمان الأطفال من التعليم والاعتماد عليهم كمصادر للدخل وتزويج الطفلات للتقليل من الأعباء المادية.. ما يرفع من معدلات الولادات، فشريحة المراهقات غالباً ما تكون الفئة الأكثر خصوبة وإنجاباً رغبة منهنّ في "تمتين" زواجهن، ولعدم معرفتهن بوسائل تنظيم الأسرة، وتدني المستوى التعليمي والمهني وغيره.

 

عموماً.. لم تحجب رغبة الإنجاب رغبة معاكسة لتنظيم عدد أفراد الأسرة في ظلّ واقع مادي قاسٍ واستنزاف غير مسبوق للواقع الخدمي والتحديات الصعبة للقطاع الصحي لإعادة رسم سياسة صحية مستقبلية تواجه أعباء الصحة كواقع تنموي لا خدماتي فقط.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=46483