تحقيقات وتقارير

التسول.. جيل سوري خارج الخدمة


الاعلام تايم_رحاب ملحم


عندما كنا نتناول واقع التشرد والتسول في عالم الطفل كنا دائما نستذكر ما قاله الكاتب المصري أحمد حسن الزيات في معالجته للطفولة المعذبة"بالله ! ما ذنب هذا الطفل الشريد الذي تتحامون مسّه وتتفادون مرآه إذا كان القدر قد اختار له ذلك الأب البائس ؟ هذا قبل الحرب على سورية التي استطاعت أن تعالج نسبة كبيرة من تلك الظاهرة من خلال معاهد الايتام والرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية.


وخلال الحرب على سورية تفاقمت الظاهرة  وكانت نتيجة حتمية وغاية مرجوة في أجندة المتآمرين على الشعب السوري، فتخريب هؤلاء الاطفال وتشريدهم، يعني أن سورية أصبحت محرومة من جيل كامل عاش حياة البؤس والفقر ونشأ على الجريمة وانعدام الاخلاق، فمن كنت تراهم قبل الازمة يجوبون الشوارع والحدائق والدكاكين ليحصلوا على قوت يومهم تضاعفت أعدادهم مرات كثيرة.


جيل المستقبل وحملة لواء قيم وحضارة سورية؛ هم اليوم أمام واقع أسود، واقع ضبابي مبهم لا يضمن لمثل هؤلاء حتى حماية أرواحهم و أجسادهم الضعيفة من القتل والتشرد، من الجوع و الفقر الذي يهدد كيانهم كل حين.. المئات منهم بدون أسر أو معيل مع وجود عشرات الجمعيات التي ترفع شعارات طنانة رنانة تدعي رعاية تلك الحالات و تأمين المأوى و الغذاء لهم، ومع ذلك الاطفال في الشوارع بالعشرات يتراكضون عند كل إشارة مرور أو مقاعد حديقة أو أمام مطعم أو الأسواق ليصيبوا قطعة نقدية أو كسرة خبز أو شربة ماء ..


اذا عدنا الى ما قاله الزيات .. حقاً ما ذنب طفل يقتل برصاصة مزاج، يبيع العلكة ليسد رمقه ومن الممكن أن يكون لسد رمق أسرة بكاملها، فالأسر السورية معظمها أصبحت بلا معيل الا من طفل اضطر لترك تعليمه، وصبرعلى الاذى النفسي والجسدي، في مثل هذه الحالات وما أكثرها، لا تقع المسؤولية على الدولة فقط وإنما على كل شخص لو ساهم  بشكل او بآخر في تأمين رغيف خبز أو مأوى ﻷي طفل مستضعف أسقطه الواقع السيء في ذلك المستنقع من النقص و الحاجه، فإنه بلا شك سيكون شريكا رائعا في إنقاذ وطنه ومجتمعه من آفة تتفاقم لتتحول في المستقبل القريب إلى كارثة تدركنا جميعا بآثارها و تبعاتها.


المؤسسات الرسمية والغير رسمية المعنية، عملت في هذا المجال قدر الامكان، الا أن ظروف الحرب كانت أقوى، ولاننسى أن السيدة الأولى أسماء الأسد قد وجهت جزءاً كبيراً من جهوده لقطاع الطفولة واﻷسرة السورية  حيث ساهمت في دعهم مادياً وعلمياً وجعلت يوم الطفل عيد وطني يحتفى به من خلال مؤسسات لرعاية الطفل السوري بكافة المجالات وإقامة المؤتمرات والندوات الخاصة بالطفولة والتي كانت تحت رعايتها وحضورها.


قضية التسول ناقوس خطر يؤرق مجتمعنا كل حين، فالعلاج لما حدث في حلب قبل أيام نتمنى ألا يقتصر على بيانات ووعيد لمن افتعلوا فعلتهم الشنيعة، والانتباه وإعطاء ملف عمالة الطفل الالوية للعلاج بكافة السبل والوسائل.. وتخليصهم من أحكام تجار الدماء و الأزمات.


وخير ختام لعلاج تلك المشكلة ماقاله الزيات"فإذا كنتم تشفقون على نعيم عيشكم من رؤية البؤس ، وتخشون على جمال حياتكم دمامة الفقر فاقتحموا على الفقر مكامنه في أكواخ الأيامى وأعشاش العجزة ، ثم قيّدوه بالإحسان المنظّم في المدارس والصدقة الجارية في الملاجئ تجدوا بعد ذلك أن الدنيا جميلة في كل عين ، والحياة بهيجة في كل قلب، وتشعروا أن روحاً عامة قد وصلت بين جميع الأرواح فأصبح الشعب كله متآلفاً متكاتفاً تتغذى خليّاته بدم واحد وتتساير نياته إلى غاية واحدة" .


 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=46116