تحقيقات وتقارير

الآجارات ..باب من أبواب تجارة الحرب


الإعلام تايم - ربى شلهوب 

 

"بليلة ما فيها ضو قمر" خرجت انا وعائلتي، ففي ذلك اليوم المشؤوم الذي لن انساه ما حييت دخل علينا مجموعة من الغرباء و بدأو التحقيق معي وفي النهاية التفت نحوي أحد الملثمين وقال لي "اترك بيتك اليوم لا تبقى" و فعلاً تركت البيت ومشيت من بيتي إلى أن وصلت إلى منطقة آمنة سيراً على الاقدام تزامناً مع وصول خبرحرق بيتي.

 

أبو بسام ترك بيته في "حزة" وسكن  في مدينة جرمانا في منزل استاجره بعد ان كان مالكاً لبيت وأرض تدر عليه ما يعادل 4 ملايين في السنة، أما اليوم فمع مسكنه الجديد بات يعتمد على راتبه فقط للعيش الذي يكاد يكفي أجار منزله الجديد قبل أن يرفع صاحب البيت الآجار لـ 45 ألف، وعند سؤالنا له كيف تستطيع أن تتدبر أمورك أجاب وفي عينيه الكثير من الحزن والقليل من الأمل" أملنا اليوم هو أن نعود إلى منازلنا فربما المصالحات تطال مناطقنا وتعود ونعود بعودتها"،وإلا علي أن أدفع لأنني إن خسرت منزلي هذا فقد لاأستطيع تأمين غيره، "والله بدبر".

 

هي الهجرة المقنعة والنزوح من المناطق الساخنة إلى مناطق أكثر أماناً، أدت إلى بروز مشكلة سكنية فالطلب يزداد والعرض قليل، وحاجة المواطنين للسكن استغلها البعض وبات الإبتزاز عنوانهم،  ولا حول ولا قوة لصاحب الحاجة، مما حدا بالبعض إلى السكن عند أقاربهم نظراً لعدم قدرتهم على تسديد قيمة الإيجار، كما أدت هذه الظاهرة إلى قيام البعض باستثمار منازلهم التي يسكنون بها وفصل غرفة عن المنزل وتأجيرها بسعر مرتفع لأصحاب الحاجة.

 

عائلة أبو عامر بعد نزوحها مرتين من مكان سكنها أجبرتها الأيام للسكن في منزل العائلة لعدم قدرته على دفع أجار فهو موظف متقاعد وزوجته ربة منزل أما أولاده فمنهم من تزوج وهجر البلاد، والآخر مجند بالجيش، ابن السبعين عاماً يقول الحسرة تملئ صوته" بعد ما كان عندي بيت وولادي حدي صرت عايش بغرفة وعالة على من حولي مضيفاً " متل ما بقول المتل "بعد ما كنت سيدها صرت طبل بعرسها".

 

ديمة وهي طالبة ماجستير من اللاذقية اتت إلى دمشق لتكمل دراستها  تقول شاكية من الآجار وارتفاعه " أصحاب البيوت متل التجار جزارين ما بيرحموا حدا ومع كل كم شهر بيرفعوا الآجار بذريعة ارتفاع تكاليف المعيشة، علماً أن القيمة الفعلية لا تكاد تصل إلى نصف المفروض حالياً، فصاحبة البيت كانت تاخذ 20 الف، اليوم أخبرتني أنها تريد رفع الاجار، فأنا لا قدرة لي على الدفع وخصوصاً أنني بعتمد على نفسي لان أهلي حالتهم باللاذقية سيئة".

 

"موظف لايمكنه أن يدفع ثمن إيجار منزل يبلغ في الشهر ضعف مرتبه" بهذه الكلمات بدأ شادي وهو موظف حكومي ليضيف "وصلت ليلي مع نهاري أنا وزوجتي لنستطيع سد الايجار ونؤمن لطفلنا الوحيد أقل متطلبات الحياة، فالديون باتت تتراكم على عاتقنا في ظل ارتفاع الأسعار.

 

وأضاف شادي" أصحاب العقارات والمكاتب العقارية تحملنا كلفة تسجيل العقود، وتتلاعب بحقيقة الأسعار المعلن عنها في العقد، فأعلى سعر يمكن أن يقبل المؤجر بكتابته في العقد هو ألف ليرة سورية وذلك تهرّباً من الضرائب، كما أن جميع المؤجرين لايقبلون إلا بتقاضي قيمة الإيجار المتفق عليها وعن كامل المدة المحددة في العقد مسبقاً وقبل توقيع العقد الإيجار، مع قيام المؤجرين، بكتابة عقود لا تتجاوز مدة السنة، كي يتمكنوا من فرض رفع آخر لقيمة الإيجار، مع التهديد بالطرد".

 

أما أبو علاء مالك لمنزل في حي الكزبري يقول "أنا بيتي إن بدي أجروا بدي 400 ألف بالشهر" في البداية لم نستوعيب هل الرقم صحيح أم لا! فأجاب "طبعاً فبيتي مساحته 280 متر وهو في منطقة راقية وجميل فلما لا" مضيفاً " الكل يغني على ليلاه وانا على ليلي بدي غني" والسوق عرض وطلب.

 

وزميله في المهنة الجديدة فيصل يجاريه ويشد على يده ويقول "رفع الإيجار أمر مبرر وطبيعي في ظل الغلاء لجميع السلع والمواد"، مضيفا أن "تضاعف الأسعار والظروف الاقتصادية السيئة يدفع إلى المطالبة بزيادة الأجرة كل فترة ونحن لسنا الوحيدين".

 

أبو شادي وهو صاحب مكتب عقاري يعزو ارتفاع وغلاء الآجارات إلى ارتفاع أسعار مواد البناء وارتفاع أسعار الأراضي وأجور العمالة وغلاء المحروقات، إضافة إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية الذي لم يقابله ارتفاع في الدخل لأصحاب الدخل المحدود، ووضع نفسه بخانة الوسيط قائلاً "نحن لا نستطيع فرض الأسعار على أصحابها "، ودورنا هو الوسيط بين المؤجر والمستأجر ونتقاضى أجرنا ولا ندخل بأي تفصيل آخر.

 

في كل ما تقدّم، يبدو المستأجر هو الحلقة الأضعف، ارتفاع جنوني لم يكن أحد يتوقعه في سورية، فلا وجود لرادع ولا ناظم لعملية الاستئجار أو "التجارة الرابحة"في زمن الحرب، فمع غياب الضابط الإنساني والأخلاقي لأصحاب العقارات  تزداد معاناة المواطنين وتنضم ظاهرة غلاء الآجارات إلى قائمة السيوف المصلتة على رقاب محدودي الدخل في البلاد، إذاً لا بد من وجود رقابة للحد من نزيف أرهق المواطن ومعاقبة من يقوم بالتحكم بالأسعار ورفعها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=43092