أحوال البلد

أما فيهِ منْ كُلِّ عينٍ سَوادْ ومِن دمِ كلِّ شَهيدٍ مِدادْ ..


دمشق - سناء علي

في الوقت الذي تتعلق فيه أنظار العالم بجنيف، وتنظر بترقّب لما سيتمخّض عنه المؤتمر الأممي الذي يجري حالياً في تلك المدينة البعيدة جداً عن الوطن، ليناقش مصير ومستقبل سوريا، يرى السوريون أن سماء الوطن أحقّ وأولى بالالتفاف تحتها وإعلان التمسك بترابها وهويتها وعلمها الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من تلك الهوية، لما تحمله ألوانه من رمزية ودلالات وإرث تاريخيّ لكل السوريين.

"جنيف2" يسير ببطئ شديد ولا تبدو ملامحه الباردة كبرد سويسرا مبشرّة بحلّ قريب، فالتفت السوريون إلى حياتهم اليومية معلنين أنهم الوحيدون المعنيون بصياغة مستقبلهم، واختيار هويتهم والدفاع عنها، فنزلوا إلى مصادر رزقهم وبدأوا بطلاء واجهات محلاتهم التجارية في معظم أسواق دمشق بألوان علم الجمهورية السورية. نزلنا معهم وتابعنا حملاتهم اللافتة للنظر والتقطنا لهم صوراً ستصبح في زمن ما جزءاً من ذاكرتنا التي لا يمكن لأحد طمسها ومحوها أو حتى تشويهها، "نحن أبناء هذي الأرض وهذا هو علمنا الوحيد.." هكذا أجابنا أبو فراس أحد المشاركين في الحملة، ليرد أبو خالد: " يا عمو هاد هويتنا والي مالو هوية مالو قيمة". القصاع، دمشق القديمة، الزاهرة، صحنايا، المزة-شيخ سعد، باب سريجة، كلها بادرت بطلاء واجهات محلاتها بألوان العلم السوري وتبدو المبادرة الوطنية مثيرة للاهتمام فما أن نسمع بانتهائها في منطقة ما حتى تبدأ في مكان آخر، وكلما سألنا أحد المشاركين لماذا تشارك في الحملة يجيب بأنّ هذا العلم جزء من هويته وهوية وطنه وآبائه وأبنائه من بعده والتي لا يتنازل عنها ولن يسمح لأحد أن يسلبها، حتى ولو أنّ معظم المشاركين على بساطتهم لا يعرفون بشكل دقيق إلى ما ترمز ألوان علمهم بالتفصيل، لكنهم بالتأكيد فخورون بما تعنيه كما فخرهم بوطنهم، واعتدادهم بانتمائهم لهذه الأرض. بالرغم من كثرة الاجتهادات في تفسير الألوان التي تشكل راية البلاد، وعدم تطرّق الدستور في أي مادة لما ترمز له تلك الألوان، إلّا أن النشيد العربي السوري قد يحمل الدلالات الأوضح لألوان العلم، بعيداً عن الاجتهادات والتكهنات، حيث جاء في نص النشيد: رفيفُ الأماني وخَفقُ الفؤادْ على عَلَمٍ ضَمَّ شَمْلَ البلادْ ...أما فيهِ منْ كُلِّ عينٍ سَوادْ ومِن دمِ كلِّ شَهيدٍ مِدادْ، ما يعني أن النشيد يشير إلى اللون الأسود برمزية بؤبؤ العيون، وبما تعنيه كلمة سواد في اللغة العربية الفصحى إلى الأرض والشعب، فيقال سواد الشام ويعنون معظم أرضها، ويقال سواد الناس بمعنى أغلب الناس، كما يشير النشيد إلى اللون الأحمر بذكرى تضحيات الشهداء (روح الأضاحي)، وإلى الأبيض لون الأمويين، ويعبر عن النقاء والصفاء، والأسود لون العباسيين من خلال ذكر الوليد الأموي وهارون الرشيد العباسي، وكما يشير إلى السيادة والبناء ورمزهما الأخضر. هي سوريا إذاً ... نحياها، نفديها، نختلف تحت رايتها، نعود لنجتمع تحت ذات الراية، ولا نتوقع من أي بلد في العالم لا جنيف ولا غيرها أن تكون أحنى وأرأف بنا منها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=10&id=4092