نافذة على الصحافة

"داعش" يستخدم الزراعة كمصدر تمويل أساسي إلى جانب النفط



واشنطن بوست - خاص - ترجمة نسرين ترك


لطالما تصدّر تنظيم "الدولة الإسلامية" مراراً العناوين الرئيسية التي تتحدث عن استغلاله للنفط في المنطقة، فيما تجاهل كثيرين مورد حيوي آخر يعتمد عليه التنظيم، ويُعتبر من الموارد الهامة بالنسبة لمقومات أيّة دولة : وهو الزراعة.
لا ينشر التنظيم الإحصاءات الزراعية، فكيف يمكن قياس الإنتاج والإيرادات المحتملة من القطاع الزراعي؟ وكيف أثّرت الحملة الدولية ضد التنظيم على هذا القطاع الحيوي؟


في مقال نُشر مؤخراً، اعتمدنا على طريقة مبتكرة في تحليل صور الأقمار الصناعية لقياس الإنتاج الزراعي في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم. حيث نحصل، عبر تقنية بالاستشعار عن بُعد، على مؤشرات الغطاء النباتي ومقارنته مع الإنتاج في سنوات ما قبل الحرب استناداً إلى الإحصائيات الحكومية. وبغية عزل التأثيرات التي تسبب بها الصراع عن تلك الناجمة عن الجفاف، أخذنا بعين الاعتبار نسبة هطول الأمطار في تلك المناطق.


جاءت النتائج ملفتة للنظر إذ توضّح كيف يستخدم تنظيم "الدولة الإسلامية" الزراعة بنسبة تفوق بكثير كل التقديرات السابقة.


كيف سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على الزراعة؟


في عامي 2013 و 2014، اجتاح تنظيم "الدولة الإسلامية" مساحات واسعة من منطقة الجزيرة في سورية ونينوى في العراق، والتي تشكّل مراكز رئيسية لإنتاج الحبوب.


توفّر الزارعة الغذاء وتُعتبر مصدر لتأمين ضرائب الدخل العائد إلى خزينة الدولة، خاصةً بعد أن تضاءلت مصادر الدخل الاستراتيجية الأخرى كالنفط والسرقة والفدية، ومع تراجع التبرعات الخارجية عمّا كانت عليه في عامي 2013 و 2014، ازدادت أهمية الدخل الناجم عن القطاع الزراعي.


ومن غير المُستغرب بأن الحرب أثّرت سلباً على الزراعة، وبشكل خاص على المحاصيل الصيفية المروية، مثل محصول القطن في شمال شرق سورية، والفواكه والخضراوات في وادي العاصي غرب البلاد.


في حين كان التأثير أقل بالنسبة للمحاصيل الشتوية البعلية، لكنه لايزال واضحاَ لدى النظر إلى الفارق الكبير بين الغطاء النباتي في كل من سورية التي أرهقتها الحرب وفي تركيا. "انظر الخريطة".
(صورة الخريطة المرفقة)


وتُشير المساحات الخضراء إلى أن الإنتاج كان أعلى قبل الحرب، في حين تُشير المناطق الحمراء إلى تراجع الإنتاج، كما تُبيّن الخطوط الحمراء في الخريطة الأراضي الزراعية التي سيطرت عليها الدولة الإسلامية في العام 2015.
وعلى الرغم من المعدلات الطبيعية لهطول الأمطار خلال عام 2012، إلاّ أنّ تأثير الحرب كان واضحاً، تبعه انتعاش واضح في العام 2013. وفي العام 2014 كان للجفاف تأثير كبير على المحاصيل وخاصةً في محافظة حلب، ولكن في العام 2015 استطاع التنظيم الاستفادة من تَحسن هطول الأمطار وخاصة في العراق حيث بلغ الإنتاج معدلات فاقت معدلات الإنتاج قبل سنوات الحرب سواء في الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم أم لا.


بشكل دقيق، كم جنت الدولة الإسلامية من خلال الزراعة؟ 


على الرغم من التأثير الذي خلفه الصراع على الزراعة، تأثر إنتاج القمح البعل الشعير في أراضي التنظيم بشكل أقل بكثير ممّا كنّا نتوقع قبل البدء بأبحاثنا. كما أنّ الدخل الناجم عن هذا القطّاع كبير جداً على الأرجح.


ويفرض التنظيم بشكل مستمر ضريبة زكاة تتراوح قيمتها بين 5 إلى 10% على المحاصيل المروية والبعلية ، كما بلغت أسعار المحاصيل مستويات متساوية تقريباً مع السوق العالمية، حيث لا يعتمد التنظيم نظام الأسعار المدعومة للمستهلك والمنتج على غرار الحكومة العراقية. وفي العام 2015 قدُّرت الضرائب التي جمعها تنظيم "الدولة الإسلامية" من القمح والشعير وحدهما بحوالي 56 مليون دولار، ويًضاف إلى ذلك الضرائب التي يتم تحصيلها من المحاصيل الأُخرى والماشية وغيرها. ويُقدّر المسؤولين الأمريكيين إجمالي الإيرادات السنوية للتنظيم بحوالي 1 مليار دولار، شكّل النفط نصفها لغاية ربيع عام 2015 فيما تقلص هذا الرقم الآن إلى حدّ كبير.


وتُقدّر القيمة الإجمالية لإنتاج القمح في أراضي التنظيم عام 2015 بنحو 2.45 مليون طن، ما يُعادل تقريباً القيمة السنوية لإنتاج التنظيم من النفط في أوجه أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015.

لكن، ماذا عن الفائض..؟
كانت سورية والعراق تستوردان القمح قبل الحرب خلافاً لتنظيم "داعش" الذي حافظ على إنتاج القمح بينما انخفض عدد السكان في المناطق التي يسيطر عليها، ما يزيد من احتمال وجود فائض للتصدير.


كذلك قمن بتخمين عدد السكان قبل الحرب في الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم الآن، وذلك وبمساعدة إحصاءات World Pop التي تجمع بين بيانات التعداد مع تحليل صور الأقمار الصناعية وخصم الأعداد التقديرية للاجئين والنازحين داخلياَ.


لم يتجاوز عدد السكان في إقليم الدولة الإسلامية 4 ملايين نسمة عام 2015، أيّ أقلّ بكثير من التقديرات التي تم الإعلان عنا عبر وسائل الإعلام والتي بلغت 8 ملايين.


ما يعني أن الاستهلاك المحلّي لا يتجاوز 0.85 مليون طنّ من القمح في حيت يتجاوز فائض التصدير 1.6 مليون طن.


لكن، أين يذهب الفائض؟ يعكس هذا السؤال في الواقع مسألة حسّاسة من الناحية السياسية، حيث ارتفعت تكاليف التعاملات التجارية وتعطّلت طرق النقل إلى الأسواق  التقليدية غرب سورية، ومع ذلك فإن تنظيم الدولة الإسلامية لايزال  يبيع النفط والغاز إلى الجماعات المتمردة الأُخرى. والأمر ذاته ينطبق على القمح، حيث تُعتبر دول الجوار سوق لتجارة الماشية المُستقدمة من كافة أنحاء سورية.


إن اقتصاد تنظيم "داعش" غير قابل للاستمرار على المدى الطويل، فالزراعة في أراضيه تُثمر لفترة محدّدة، حيث تعطلت منافذ استيراد المدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة.  وفي ظل ذلك تستمر البحوث لإلقاء الضوء بصورة دقيقة على كيفية تجنيد المقاتلين وتمويلهم، وتحصيل الضرائب والربح من القطاع الزراعي خلال الحرب.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=39927