بطل من سورية

خالد الأسعد ستبقى حياً


الإعلام تايم - لما محمود

كرمه السيد الرئيس بشار الأسد بعد وفاته بوسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، وذلك لإنجازاته الهامة في علوم الآثار.. ونحن ليس بمقدورنا أن ننساك، أو ننسى حجم الجريمة البربرية والوحشية، التي ارتكبها العصابات التكفيرية الإرهابية في ذبح بحق "أباً للآثار التدمرية".. هكذا كان في حياته.. وبهذا لُقّب بعد استشهاده.. كرس حياته لإعطاء كل زاوية في تدمر ما تستحق من عناية.. فبات جزءاً من أوابدها.. التي دمر بعضها عتاة الجاهلية الجدد وناشرو الظلام.. فكان هو أيضا كتلك الأوابد.. أخافهم كما أخافتهم.. فأزهقوا دمه دون أن يأبهوا لكبر سنه أو عظيم إنجازاته..

توافق اليوم الخميس 18/8/2016 الذكرى السنوية لاستشهاد عالم الآثار السوري والباحث الأثري، خالد الأسعد الذي ذبحه تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة تدمر الأثرية عند ساحة المتحف الوطني، ثم قاموا بكل همجية بنقل الجثمان وتعليقه على عمود وسط المدينة.

الباحث الشهيد خالد الأسعد.. في سطور:

مواليد مدينة تدمر عام 1934... حاصل على إجازة بالتاريخ ودبلوم التربية من جامعة دمشق عام 1962. كان رئيساً الدراسات والتنقيب في مديرية الآثار بـ دمشق ثم في قصر العظم حتى نهاية عام 1963.. ومديراً لآثار تدمر وأميناً لمتحفها الوطني لغاية عام 2003. المعروف بنشاطه المتكاتف لسنوات مع بعثات آثرية وطنية ومشتركة "أمريكية وفرنسية وألمانية"، قامت بمعيته في عمليات حفر وبحوث بأطلال وآثار عمرها 2000 عام في تدمر، المدرجة ضمن قائمة "اليونسكو" للتراث العالمي، ونال عِدة أوسمة محلية وأجنبية.

شارك في المشروع الإنمائي التدمري خلال الفترة 1962-1966، حيث اكتشف القسم الأكبر من الشارع الطويل وساحة الصلبة "التترابيل" وبعض المدافن والمغائر والمقبرة البيزنطية في حديقة متحف تدمر، واكتشف عدداً من المدافن التدمرية المهمة ومنها مدفن بريكي بن امريشا "عضو مجلس الشيوخ التدمري".

عمل في عدد من المؤسسات الدولية والإقليمية والعربية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" والمفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي ضمن مشروعات متعلقة بتدمر وبالآثار السورية عامة، وشارك في معارض وندوات أثرية دولية. عالم وباحث وخبير في اللغة التدمرية.. وله العديد من الكتب والمؤلفات وضعها بمفرده وبالتعاون مع آثاريين سوريين وأجانب ومنها "تدمر أثرياً وتاريخياً وسياحياً" و"المنحوتات التدمرية" .. وكان يتحدث لغات أجنبية بالإضافة لإتقانه اللغة الآرامية، وكان له حوالي 40 مؤلفاً عن آثار تدمر في سورية والعالم.

لديه إيمان لا يتزعزع بأهمية حماية المدينة الأعجوبة وصون إرثها الحضاري والتاريخي الذي لا يقدّر بثمن، والعمل بإخلاص لخدمتها، فهو المرجع الأبرز فيما يتعلق بتاريخها والمؤتمن على الموقع الأبرز في الحضارة السورية، والمقصد لكل من أراد زيارة آثار المدينة والتعرف عليها، وهو المعروف بنشاطه المكثّف مع عشرات البعثات الوطنية والأجنبية طيلة ما يقارب نصف قرن، قضاه منقّباً ومرمّماً فيها حيث امتزجت قطرات عَرَقَه ودماءه بترابها وحجارتها حتى غدا الوجه الأبرز في المدينة والذي يستطيع تقديم تفاصيل تاريخها وحضارتها بشكل بسيط ومسهب ينقل المتلقي من خلاله إلى عوالم محسوسة تمنح للتاريخ بُعداً شاعريّاً ساحراً.

لاقت عملية قتل عالم الآثار السوري ردوداً غاضبة سورية ودولية... حيث نددت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بذبح العالم مستنكرة هذا العمل الإرهابي...وقالت مدير منظمة الثقافة والعلوم اليونسكو "إيرينا بوكوفا": إنها حزينة وغاضبة وتدين هذه الجريمة البشعة. وأضافت "أنهم قتلوا الأسعد لأنه رفض خيانة نشاطه القوي و مبادئه والتزاماته من أجل حماية آثار تدمر"... كما نكست المتاحف الايطالية أعلامها تكريماً وحداداً للشهيد.

ونشرت الجريدة الإيطالية الشهيرة "لا ريبوبليكا"، مقالة مصورة عن ثلاثة شباب من مدينة ميلانو قرروا تخليد الراحل خالد الأسعد... وذلك برسم جدارية كبيرة على جدار معمل للبخار في شارع پروكاتشيني في ميلانو، في مبادرة جماعية تكريماً لشجاعته وتضحياته بعد أن رفض تسليم قطع أثرية ثمينة مخبأة في موقع تدمر.. وقامت مدينة ميلانو بزراعة شجرة باسم الأسعد في حديقة المشاهير في مونته ستيلاّ في المدينة، وذلك في شهر تشرين الثاني 2015.

كما أدانت الولايات المتحدة لحادث ذبح العالم الاثري السوري والذي وصفه الحادث بـأنه وحشي واغتيال مروع لرجل كرس حياته للحفاظ على كنوز الثقافة السورية. وتقدّم ميخائيل بيوتروفسكي المدير العام لمتحف الإرميتاج في سان بطرسبورغ بتعازيه لأهل الفقيد خالد الأسعد وأقاربه، حيث كتب في مدونته على موقع المتحف قائلاً: "شهدت تدمر على مدى تاريخها الطويل وفيات كثيرة، ولكن هذه واحدة من أكثرها فظاعة، من حيث عبثيتها وقساوتها".

ونددت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" بهذه الجريمة التي تتنافى مع أبجديات التعاليم الدينية والقيم الإنسانية داعية جميع الأطراف في المجتمع الدولي إلى التصدي لهذا التنظيم الإرهابي ومنعه من نهب وتهريب وبيع القطع الأثرية ومحاربة أفكاره الهدامة.

وقبل وفاته عُذّب خالد الأسعد عدة أسابيع ثم قاموا بإعدامه... ولا نشك أيضاً بأن عذاباً آخر أضيف لعذابات العالم الأسعد وهو خبر تدمير كثير من المعالم الأثرية في المنطقة..

ستشهد كل حجارة من حجارة تدمر على سنين عمرك الطويلة التي قضيتها حباً لها ولوطنك .. أنت لم تمت، أنت تحيا معنا، في ضمائر مواطنيك وفي ذاكرتهم، بين الأحبة الذين رحلوا عنا وما رحلوا، من الشهداء العظام الذين عطّروا أرضنا وسماءنا بكبير التضحيات..

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=53&id=38304