تحقيقات وتقارير

خفايا قناة البحرين.. أبعد من تعاون وأكبر من مشروع


الاعلام تايم_فاطمة فاضل
يبدو أن المؤشرات الحقيقية أصبحت أكثر وضوحاً في غرق العالم الحديث بحربٍ ذات أبعاد غير تقليدية، سميت اصطلاحاً "حرب المياه"، ولأن الكيان الإسرائيلي له السهم الأكبر في هذه المفردة عالمياً، يسيل اليوم الكثير من الحبر في مقالات تحليلية و أوراق أشبعت نقاشات.


الأردن وفلسطين وحكومة الاحتلال، يجتمعون على مصلحة، وكم من مصالح بينهم أبرمت سراً خلال عقود من الزمن، وجديد تلك المصالح المشتركة الاّن مشروع قناة البحرين الذي يرعاه البنك الدولي، ليعتبر الشكل الأكثر صراحة من الاتفاقيات والتطبيع مع الكيان الصهيوني.


كل ذلك يأتي في مراحل تالية للإعلان الصهيوني الذي جاء بتاريخ 6/3/2005م عن اتفاقه مع الأردن لبدء فعاليات التعاون بين البلدين والولايات المتحدة على إقامة تعاون مشترك بينهم من أجل حفر "قناة البحرين" التي تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت كخطوة أولى نحو إنشاء الجزء الثاني من القناة التي ستسير غربًا لتصل للبحر المتوسط عند منطقة حيفا.


فالمشروع بشكله الظاهر خليط من الأنابيب و الأنفاق ولا يمكن استخدامه لأغراض ملاحية اطلاقاً، والهدف منه نقل 9 مليارات متر مكعب سنوياً من مياه خليج العقبة الى البحر الميت، لإعادته الى الحياة بعد تحليته، والذي سيعود بفائدة أخرى في انتاج الطاقة الكهربائية لكل من الاطراف المساهمة في المشروع، وذلك بقيمة اجمالية 20 مليار دولار امريكي.


تاريخياً.. فكرة ربط البحرين: الأحمر والمتوسط؛ تعود إلى عام 1850م حينما بدأت إنجلترا بوضع الخطط للوصول إلى قناة تربط البحر المتوسط بالأحمر بواسطة البحر الميت انطلاقًا من خليج العقبة، إلا أن سهولة إنشاء قناة السويس أفقدت المشروع أهميته.


ولكن الحركة الصهيونية لم تُسقط هذا المشروع من اهتمامها؛ حيث أكد "تيودر هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية أهمية هذه الفكرة، وطورها فيما بعد المهندس السويسري "ماكس يوركارت" الذي تهوَّد وأخذ اسم "أبراهام بن أبراهام" ووضع بدايات الخطة إلى أن وضع المهندس "كوتون" الخطط العملية لهذا المشروع في الفترة من 1950 – 1995م، وبناء على هذه الاقتراحات قررت الحكومة الصهيونية في 24/8/1980م ربط البحرين: الأحمر والميت، ووضع "مناحم بيجن" حجر الأساس لهذا المشروع في 28/5/1981م، إلا أن حزب العمل جمد المشروع؛ لأنه يحتاج إلى مبلغ 800 مليون دولار ونحو "8-10 سنوات" منها ثلاثة سنوات للتخطيط.


ويرجع مخطط شق قناة تربط البحر الأحمر عند خليج العقبة والبحر الميت إلى أواسط القرن التاسع عشر عام 1840م عندما سعى الاستعمار البريطاني لتسهيل الاتصال مع الهند، ومع قيام الكيان الصهيوني في فلسطين تلقفتها الصهيونية العالمية بقيادة مؤسس الدولة العبرية "تيودور هرتزل" الذي تحمس لها وعرضها في كتابه "أرض الميعاد" الصادر عام 1902م، ثم بقيت حيث بدأ الحديث يدور في الأوساط الاستعمارية والصهيونية المتضررة من قرار التأميم حول إمكانية شق قناة صهيونية تربط البحر المتوسط بخليج العقبة، وتكون بمثابة قناة بديلة للقناة المصرية؛ إلا أن إخفاق العدوان الثلاثي على مصر أجَّل تنفيذ الفكرة إلى حين. ثم جرت لاحقًا محاولة تنفيذها إبان رئاسة "مناحم بيغن" وتحديدًا عام 1981م، إلا أن العمل بها قد توقف عام 1985م لأسباب غامضة.


ويمكن القول: إن مشروع قناة البحرين الذي يخطط له الصهاينة يأتي في إطار استراتيجية طويلة المدى لتأمين الكيان واحتياجاته من المياه والطاقة؛ حيث نجح الصهاينة عام 1964م في تحويل مياه نهر الأردن على النقب التي كانت تشكل ثلثي مساحة الكيان الصهيوني بهدف الإسراع في تهويدها عن طريق توجيه مجرى الهجرة والاستيطان إليها.


كما استطاع الصهاينة السيطرة على عدة من مصادر المياه العربية باحتلال الجولان السوري والسيطرة على جزء من البحر الميت والوصول إلى مياه نهر الأردن في 1967م.


وعقب حرب 1973م ونجاح العرب في استخدام سلاح النفط في المعركة ضد الصهاينة، ظهرت الحاجة الصهيونية الملحة لتنويع مصادر الطاقة وتخفيف عبء الاعتماد على البترول، واستقر الرأي على تنفيذ مشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت مستغلة انخفاض مستوى الاخير عن سطح البحر 400م لتوليد الطاقة الكهربائية بالإضافة إقامة مشروعات لتحلية المياه.


وإذا انتقلنا الى الضفة الأخرى لنعرف الهدف من هذا المشروع نرى أن "إسرائيل" اتفقت مع الدولتين المتكالبتين على رضاها ضد دولة شقيقة وهي "مصر" دون معرفة سلبيات المشروع في أطراف أخرى، فالجانب المصري سارع بدوره الى تشكيل اللجان والنظر في نتائج المشروع البيئية الكارثية على البلاد والدول المجاورة، إضافة الى الأخطار المحيطة التي قد يسببها المشروع من زلازل مدمرة، غير تلوث المياه الجوفية بمياه البحر المالحة التي ستتسرب اليها.


إلا أن مصر و رغم مسارعتها الى تدارك القضية لم تخرج من الجلباب السعودي، وكان ذلك على لسان وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية، بعد إثارة القضية بمجلس الشورى السعودي، والذي ظهر بثوب المدافع عن القضايا البيئية، فقال "لن نسمح بأي حال أن يكون للمشروع أي ضرر، سواء على البيئة أو على مواردنا المائية"، فبالنسبة للقاهرة والرياض سيكون التحرك إذاً باتجاه البنك الدولي للمطالبة بالتخلي عن تمويل مشروع قناة البحرين، أو التوجه الى كل من الأردن والدول الأخرى، ولم يشر أحد الى "إسرائيل" صراحة، وفي نهاية المطاف سيتم التهديد بنقل ملف القضية الى مجلس الأمن، فيما أن الجانبين الأردني والفلسطيني وعدا بإعادة النظر بالمشروع وما قد يترتب عليه من نتائج.

 

إلا أن الكارثة الأكبر في هذه القضية تتركز على الصعيد القومي المصري حيث لم تتم الإشارة بشكل واضح على تأثير المشروع سلباً على قناة السويس التي تعتبر عصباً حيويا للمصريين وأمنهم، تأنياً منهم في حال صدق الجانب الاّخر وتراجع عن قراره في التخلي عن إنشاء المشروع المنافس للسويس، وقد عزا الخبير الاستراتيجي المصري اللواء "طلعت مسلم" ذلك الى أن المسافة التي تقطعها باخرة في قناة السويس تقل بكثير عن المسافة في قناة البحرين، عبر حسابات رياضية تتعلق بالأمتار والمساحات دون النظر الى المحيط العام للقضية، وذلك في جعل هذه القناة الإسرائيلية ورقة ضغط على دولة متآكلة تماماً باستثمارات سعودية، و لسهولة اختراق كيان وأمن الدولة المصرية لمآرب لم تعرف بعد.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=37005