تحقيقات وتقارير

المتضررون نفسياً هم أيضاً ضحايا حرب


الاعلام تايم - رنا موالدي

نتيجة المفهوم الخاطئ الموروث في مجتمعاتنا حول الطب النفسي.. الزائر للعيادات النفسية إما يقال عنه مجنون أو ليس شخصاً طبيعياً و أحياناً تعتبر الزيارة وصمة عار تلحق بكل العائلة...


بداية دعونا نتعرف الى مفهوم الصحة النفسية لبيان أهمية زيارة الطبيب النفسي عند الشكوى من أي اضطراب، فالعديد يجهل معنى الانسان المتمتع بالصحة النفسية القادر على التفكير المنطقي السليم باعتباره أساس السلوك، فيحسن استغلال طاقاته استغلالاً أمثل،  ليتمكن من تجاوز المحن و التعامل مع متطلبات حياته اليومية .


الا أن كثيرا من الناس يظنون أن الطب النفسي مرتبط بعلاج الجنون فقط مع العلم أن الاضطرابات النفسية الشديدة لا تشكل إلا حوالي 10% من الاضطرابات النفسية العديدة.. 


في مرحلة الحرب يلاحظ تبدلات نفسية سريعة في حياة كل شخص، نتيجة التغير  السريع في نمط الحياة المعتاد والضغوط التي تكبت دون محاولة تفريغها بشكل سليم ومحاولة امتصاص الالم والمكابرة، حيث أكدت الدراسات أن المشكلات التي يعاني منها الناس  زمن الحرب يمكن أن تكون  بسيطة اذا كشف عنها مبكراً مع  الوعي  بأسلوب التعامل معها. 


وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن المجتمع السوري في فترة ما قبل الحرب  كان أقل المجتمعات حاجة للطب النفسي، نظراً لتوفر عوامل الأمان و الاستقرار و الهدوء  بين الناس، أما اليوم هو من أكثر المجتمعات تدهوراً نفسياً و اجتماعياً ، فالحروب لا تحمل في أحشائها سوى الألم والموت والمعاناة للأنفس البريئة... وما نشاهده من  الصور المؤلمة للمصابين  والدمار، قد يكون الزمان كفيل بتجاوزها ونسيانها، وأما مالا يمحوه الزمن فهو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحرب  بداخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيز أو قريب أو منزل يستظل بظله..


- ظروف الحرب تهدد أكثر فأكثر...
لقد أحدثت الحرب حالات كبيرة جداً من القتل والدمار وإشاعة الخوف والاضطرابات في مختلف أرجاء سورية، فالحرب  عادة ما تتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات،  يتبعها نقصان في مصادر تمويل العائلة وزيادة نسب العوز لدى للأفراد، كما تؤدي الى خسارة في فرص الحصول على العمل أو فقدانه أحياناً، عدا غياب حالة الأمن..


وفي هذا الصدد  رصد "الإعلام تايم " بعض قصص من  ذاقوا مرارة الحرب ، وتقبَّلوا الواقع المؤلم الذي فرض عليهم..


"أم محمد" هي أم لشهيد فارقها منذ 7 أشهر تقول" هو أجمل أولادي وأكثرهم مرحاً وحيوية فقد احترق قلبي على فقدانه إذ أتذكره عشرات المرات يومياً.. أتذكره في كل ركن من أركان المنزل ،كم تمنيت لو أنه معي ولم يرحل،  تعبت نفسيتي جداً لم أعد أهتم لأمور الحياة أعيش على ذكرى من أحب.


أما فاتن  تحدثت عن تعرضها لشلل قدميها  نتيجة إصابتها بشظايا "كنت أسابق رفاقي الآن باتت عكازاي أهم رفاقي، أستند إليهما لأقضي حاجاتي اليومية، لكن رغم كل هذا أتابع دراستي وأعيش رغم الألم ".
أما حنان  ليست أحسن حالاً عن سابقتيها ، تقول "لقد تهجرت من بيتي وفقد زوجي ،أعيش مع ابنتي الوحيدة على المساعدات التي تقدمها الدولة لكن ذلك لا يعوض إلا جزءاً بسيطاً مما خسرته في منزلي وزوجي الذي أحن له كثيراً على أمل العودة ".


الدعم النفسي يخفف من الصعوبات
الباحثة الاجتماعية نور كسحوت تقول في هذا الصدد "لابد من الدعم النفسي لهؤلاء في مسارين أساسيين، أخصائيون نفسيون سواء داخل المدارس أو في عيادات، ومتخصصون من مؤسسات المجتمع المدني،  كتقديم  دورات للأهالي في الإرشاد النفسي لتوعيتهم بطبيعة المشكلات النفسية، وكيفية التعامل معها ، مع تركيزنا على تشجيعهم على إعادة تشكيل شخصياتهم من جديد بما يتناسب مع ظروفهم ، مؤكدة أن حل أزمتهم  يحتاج لميزانيات كبيرة وليس مشاريع فردية أو إغاثية لتغطية ملف تأهيلهم للعودة إلى حياتهم الطبيعية.


- ما الذي يمكن للدعم النفسي تقديمه؟
خلال هذه الحرب واجهت سورية تحديات كبيرة تهدد المجتمع وتخلق آثار نفسية سلبية تتفاوت شدتها من شخص لآخر،  ومن هنا أولت الدولة أهمية للدعم النفسي كوسيلة للتخفيف من حدة الآثار السلبية للحرب على المتضررين وصولاً إلى تجاوزها وتحصينهم من آثارها مستقبلاً،  حيث خصصت مراكز ووحدات تدريب ونقاط تغطي معظم المناطق،  يقوم الاختصاصيون فيها بمقابلة المراجعين وتحديد  الحالات ومن ثم ايجاد الطرق والحلول البديلة في التعامل مع الازمة،  إضافة إلى النصح بكيفية التقبل والتأقلم مع الحياة.


إن أغلبية الشعب السوري تعرض لأزمة نفسية نتيجة جملة من الظروف القاهرة التي تحيط به، و ما أصاب سورية هو جرح بليغ قد لا يشفى على المدى المنظور لكن على الرغم من كل شيء إذا نظرنا إلى الجانب الإيجابي للأزمة،  فإننا نكتشف أن لدى السوريين  قوة لا تقهر وإرادة وتصميم على الحياة.. ربما لا نعرف متى ستنتهي هذه الحرب لكننا نعرف أن هذا البلد سيستمر، آملاً أن يعود السلام والأمن الى ربوعه.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=36784