تحقيقات وتقارير

من فتيات بريئات إلى نساء صغيرات


الإعلام تايم - رنا الموالدي

 

نساء صغيرات.. من متعة الألعاب وبراءة الطفولة حُرمن وسلبن، ليتحولن بين ليلة وضحاها إلى سيدات في منازل، لم يتجاوزن سن الـ 18 بعد، لكنهن يتحملن مسؤولية تسيير بيت الزوجية، برغبتهم وفي بعض الأحيان غصباً عنهن، منهن من تأقلمن مع الوضع وتعايشن مع حياتهن الجديدة، ومنهن من رفضن ذلك، وقمن بالهرب من بيت الزوج لأماكن مجهولة...


الحرب السورية أحدثت تغييراً في العادات الاجتماعيه، خاصة فيما يتعلق  بالزواج والطلاق... و مع استمرار الأزمة تتكشف معها كل يوم معاناة جديدة وقضية تشكل أزمة بحد ذاتها لما لها من آثار قانونية واقتصادية واجتماعية تنعكس سلباً على حياة  السوريين، ومن هذه القضايا الزواج المبكر أو ما بات يعرف بزواج القاصرات، أي قبل وصول الفتاة إلى سن النضج وتمام النمو الجسمي والجنسي.

 


وبعيداً عن تأثيرات الأزمة التي دخلت عامها السادس، كان لزيادة العجز الاقتصادي الذي يواجهه الاقتصاد السوري و الفجوة الكبيرة بين الأسعار والدخول الشهرية للأسر يوماً بعد يوم دور في إحداث التغيير المذكور بالعادات الاجتماعية، فانحدرت نحو السلبية بشكل ليس بقليل مقارنة مع أعوام ما قبل الحرب...


ففي العام الماضي، كشفت إحصائيات قضائية عن وجود نسبة كبيرة من معاملات الزواج لقاصرات أقدمن على الزواج عرفياً، إذ يتجاوز عدد معاملات تثبيت الزواج للقاصرات اللواتي تزوجن خارج المحكمة الشرعية 100 حالة يومياً، مؤكدة أن ارتفاع حالات زواج القصر جاء نتيجة الأوضاع الراهنة.

 


وقد فسَّر القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معرواي في حديث "للإعلام تايم" ارتفاع حالات زواج القاصرات،  نتيجة لسوء المعيشة التي تدفع القاصر لأن تصر على الزواج من أي شخص بهدف الإنفاق عليها ولو كان عمرها غير مناسب،  منوهاً أنه وفي كثير من الأحيان يلجأ الآباء إلى تزويج بناتهم  خارج المحكمة، في حال رفضت المعاملة، وبعد أن تحمل الفتاة، تتقدم بدعوى تثبيت الزواج.


وذكر القاضي، بأنه تم رفض معاملة زواج لقاصر عمرها 13 سنة لأن من يريد الزواج بها تجاوز عمره الـ34 عاماً، وهو متزوج، وتم الرفض بحضور الأب باعتبار أن هذا الزواج ليس فيه مصلحة للفتاة.


وتابع  القاضي أنه مع انتشار ظاهرة زواج القاصرات في سورية لجأت سورية ، إلى تشكيل ورشات عمل للنظر في إمكانية تعديل بعض المواد في قانون الأحوال الشخصية، من ضمنها سن أهلية الزواج للفتاة، حيث تم اقتراح رفع أهلية زواج القاصر إلى سن 18 سنة بعدما كان اكتمال أهليتها في سن 17 سنة، كخطوة لتوحيد سن اكتمال أهلية الزواج بين الشاب والفتاة.


الظروف العائلية سبب تزويجها


لولا الظروف المزرية لعائلتي لما تزوجت في سن 14 عشر، هكذا بررت "آلاء" زواجها في سن مبكر، في معرض سؤالنا لها عن أسباب زواجها المبكر لتتم الحديث غادرت العائلة لأكون مسؤولة عن منزل، تقول أن الأمر لم يكن بالسهل في البداية، خصوصاً أنها لم تكن معتادة أن تعيش بعيداً عن أمها وأخواتها، كما أنها لم تكن تتقن جيداً الأشغال المنزلية، وقد عاشت فترة حتى تتأقلم مع الوضع الجديد الذي فرضه عليها الواقع  التي كانت تعيشه العائلة، حيث أن الأب فقد خلال الحرب وترك الأم تتحمل مسؤولية تربية 4 أطفال، وبما أن "آلاء" هي الفتاة الوحيدة في العائلة، فقد قبلت أمها بتزويجها في أول فرصة أتيحت لها، حتى تضمن لها مستقبلها.


اليوم "آلاء" تبلغ من  19 سنة، تقول أن زوجها يعاملها بلطف، لكن في نفس الوقت تؤكد أنها إن عادت عجلة الزمن إلى الوراء، لن تقبل بالزواج في ذلك السن، لأنها حُرمت من الكثير من الأمور ومن بينها الدراسة، والاستمتاع بفترة من أفضل فترات العمر.


القاضي الشرعي وتعقيباً على هذه الحالة أكد أنه  لا يمكن أن يعقد عقد القاصر إلا بحضور وليها الإجباري، وهو الأب، أو الجد في حال عدم وجود الأب، كما يحق للقاضي تقدير وضع الفتاة التي تريد الزواج، من ناحية كون جسدها ملائماً للزواج أم لا، وفي حال كان غير ملائم للزواج، يحق للقاضي الشرعي رفض معاملة الزواج.


زواج القاصرات.....جدلية مجتمع


إن قضية تزويج القاصرات، تعتبر من القضايا الشائكة،  وعند قيام "الإعلام تايم " باستطلاع آراء الناس تبين أن الأمر يتعلق بتيارين الأول يرفض أن تزوج القاصر، فيما الثاني يدافع عن ذلك، ما يجعل المجتمع منقسم ، بين من يطالب بمنع زواج القاصرات، مرجع ذلك أن الفتيات القاصرات التي يتم تزوجهن معرضات لمجموعة من الأخطار، مطالبين وضع قوانين صارمة وسد جميع الثغرات القانونية التي لا تزال تسمح بزواج القاصرات، وكذلك اتخاذ إجراءات على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، فيما يدافع آخرون عن زواج القاصرات، ويعتبر أنه ليس هناك أي مانع من ذلك....


وفي الختام دعا معراوي،  إلى توعية الآباء في هذه المسألة بشكل كبير، وخاصة من خلال وسائل الإعلام، وحثّهم على عدم تزويج الفتيات بهذا العمر، إلا في حالات يكون قرار زواجها أفضل الخيارات، وهذا ما نصّ عليه القانون، مؤكداً أن المحكمة الشرعية تحاول أن تتشدد في ضوابط زواج القاصر لتحد من انتشار هذه الظاهرة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=36243