تحقيقات وتقارير

الأحكام المسبقة على الآخرين تُنصف المُنِم وتظلم المُلِم


الاعلام تايم _ خيرية أحمد

"تعرف فلان؟ قال: اعرفه، قال: عاشرته، قال: لا، فقال له: إذن لاتعرفه" مقولة متداولة بين الناس خصوصاً في العلاقات الاجتماعية الرسمية كالعلاقة مع زملاء ومدراء العمل والأصدقاء والجيران، هذه المقولة لم تطلق عن عبث فهناك العديد من الظواهر الاجتماعية التي تنتشر وبشكل واسع بين الناس وتؤثر في إقامة العلاقة وطبيعتها، ومن بينها الرياء الاجتماعي والتعامل على أساس المصلحة وإصدار الأحكام المسبقة على الآخرين، وفي الظاهرة الأخيرة يتردد المثل السابق كثيراً، وذلك لأن بعض الأشخاص يقومون بإصدار الحكم المسبق على الشخص الذي رأوه للمرة الأولى أو لم يروه بعد، إنما سمعوا كلام قيل عنه من قبل الآخرين وتأثروا بهذا الكلام، وأصبحوا يتعاملوا معه على أساس كلام القيل والقال بتسرع ودون إخضاع الكلام إلى العقل أو الأدلة والبراهين أو اكتشاف الشخص، وبالتالي فهم يرسمون صورة ويلونونها بالألوان التي تروق لهم وتعطي انطباع إما سلبي أو إيجابي في الذهن.
مظاهر وأشكال الأحكام المسبقة على الآخرين
في سير الحياة اليومية نصادف العديد من الأشخاص وكل منهم له شكله وسلوكياته وآرائه ومبادئه وانتمائه ومعتقداته وتقاليده الخاصة به، ومن أولى مظاهر الأحكام المسبقة على الآخرين إطلاق حكم على شخص حسب ما ذكر سابقاً دون معرفته بشكل كاف.
وثاني هذه المظاهر، يكون في المدرسة عندما يعطي المدير انطباع ما عن شعبة سيشرف عليها معلم جديد بأن طلاب هذه الشعبة كسولين أو مجتهدين أو مشاغبين، وينطبق هذا المثال أيضاً على تلميذ أو طالب بحد ذاته.
ناهيك عن العلاقة بالزملاء والأصدقاء الذين نتعامل معهم بشكل عام على أساس الصورة التي رُسمت أو رسمناها لهم في بالنا، وبشكل خاص مع الزملاء الجدد.
ومن أخطر المظاهر وأكثرها انتشاراً الأحكام المسبقة في بيئة العمل الوظيفي، إذ يطلق المدراء حكماً على موظفيه تبعاً لكلام البعض الذين لهم أغراض معينة، دون اكتشاف ومعرفة سمات شخصيات الموظفين وإمكاناتهم التي قد يكون لها دوراً فعالاً في ظل الابتعاد عن الأحكام الهدامة لمستقبلهم.
أسباب ومسببات
الباحثة النفسية التربوية إسراء زهوة تقول: "إن الأشخاص الذين يصدرون الأحكام المسبقة على الآخرين، يتصفون بالتعصب والجهل وعدم الانفتاح في التفكير، إذا أن تفكيرهم سطحي ومتسرع، ولديهم أفكار لا عقلانية ولا منطقية وسلبية، كسوء الظن والحسد، ويتصرفون بطريقة غير واعية وناضجة".
وتضيف زهوة: "تعتبر الأحكام المسبقة أداة لتحقيق المكاسب عند البعض الغيورين وضعفاء الشخصية الذين يشعرون بالنقص، وذلك بالنم والثرثرة بغية تشويه سمعة الآخرين وإلحاق الأذى فيهم".
آثار وأضرار
وعن أبرز آثار هذه الظاهرة على الشخص والمجتمع، يعلق المدرس في كلية التربية بجامعة دمشق وليم عباس: "إصدار الأحكام المسبقة على الآخرين ليس بالأمر الإيجابي، إنما هو سلبي وظالم غير محق لأنه غير متروي،  ويؤدي إلى فقدان بعض الزملاء والأصدقاء وذلك للظنون التي يضعونها وبالتالي تخيم أجواء عدم الثقة والشك في العلاقات الاجتماعية"، ويستشهد عباس بعبارة حكيمة عن الظن قائلاً: "لا تبالغ في إحسان الظن بالآخرين.. كي لا يخذلوك.. ولا تسيء الظن بهم.. كي لا تظلمهم.. لكن... اجعلهم بدون ظنون.. كي يكونوا كما يكونون!".
وفيما يخص الأضرار التي تلحق بالموظفين الذين وقع عليهم الحكم المسبق من قبل مدرائهم، يتابع المدرس في كلية التربية: "هنا المسألة أشد خطورة لأن الموظف سيشعر بالظلم وعدم تكافئ الفرص وعدم تقدير قدراته، وبالتالي ستقل دافعيته للإنجاز وقد يؤدي إلى إحباطه وعدم توافقه نفسياً واجتماعياً مع بيئته الوظيفية وتعرضه للضغوط النفسية، وسيتحول الموظف من كونه فاعلاً من الداخل إلى الخارج، إلى كونه منفعلاً من الخارج إلى الداخل، كما قد تضعف ثقته بمديره، وتنشأ حساسية وغيرة بين الزملاء وتنقلب من المنافسة إلى الانتقام".
التأثر بمظاهر الناس وإطلاق الأحكام عليهم، يشوه الحقائق ويقف عائقاً أمام تقدم الفرد في النواحي النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والدراسية والمهنية ككل، ويجعل المجتمع يعاني من التخلف والفشل في إقامة العلاقات الاجتماعية السليمة، وهذا ما تؤكده الأبيات الشعرية الآتية:
للناس ظاهر والمظاهر تخدع                              فلا تحكمن بالذي ترى وتسمع !
فرب صحيح وفكره عليل                                         ورب عليل وعقله مجمع
عاشر الناس لتدرك أصلها                                       فحقيقة المرء بالعشرة تسطع

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=35753