وجهات نظر

باختصار: رب ضارة نافعة

زهير ماجد


ستكون حرباً خفية بين الروسي والتركي، ليس من قبيل الثأر، بل كما يقول المثل رب ضارة نافعة، فما كان غير ممكن أصبح ممكنا، فتدمير سيارات الشحن الضخمة المملوءة بالذخيرة على الحدود التركية السورية خطوة أولى، إنه ليس تدميرا لشاحنات، بل هو إغلاق للحدود بالنار، إفهام التركي أن لا منطقة عازلة، وأن الروسي قابض على السماء والأرض معا.

ممنهج الرد الروسي إلى الحد الذي لا نعرف به خطواته المقبلة .. الرئيس بوتين ليس منزعجا فقط ولا غاضبا، شعبه معه، الروسي من أكثر مواطني العالم ارتباطا بثرى بلاده، روسيا بالنسبة إليه خط أحمر ممنوع تجاوزه، إنه عالم الارتباط بالمعنى الجوهري الوطني الذي يرقى إلى حد القداسة. صحيح أن الروس يملكون قوة الصبر على الضغائن، وهم أكثر الشعوب تمسكا بهذا المبدأ، لكنهم إذا ما غضبوا…!
لا أعتقد أن الرئيس بوتين خطا بكل ما يملك من ردود، ربما شعبه أعلن عن واحدة منها حين تجمع حول السفارة التركية في موسكو ورماها بكل أنواع التعبير، معلنا في الوقت نفسه وقوفه خلف رئيسه، الذي يفهم جيدا الصفة الوطنية العميقة لهذا الشعب، وبالتالي لتاريخه النضالي والثقافي.

لن يتراجع أردوغان عن موقفه، هذا الرئيس الذي "طعن ظهر بوتين" كما قال الرئيس الروسي في حدة الغضب الذي جاء بعد ساعات قليلة من حادثة إسقاط الطائرة. هذا الأردوغان مشهور بالطعن في الظهر، ففي أيام العرس السوري التركي قدم ما لم يقدمه للرئيس السوري بشار الأسد، ثم انقلب عليه. الجميع يتعلم من الأميركي معنى العمل السياسي بعقل بارد كما يقول كيسنجر، إذ لا عواطف في هذا الحقل الواسع والضيق في آن معا. أردوغان أحد معلمي العقل البارد وقد استثمره ونجح فيه حتى الآن.

سنشهد ما لم نكن شهدناه خلال الحرب على سورية من قبل الروسي الذي يعتبر نفسه أن حربه الحقيقية بدأت الآن، وأن طائرته المشتعلة في الجو حركت الأولويات، فما كان أهدافا مخبأة لمرحلة أخرى صار أساسيا، وما كان قيد التفكير به تحول إلى جوهري .. معادلة بوتين الجديدة القديمة أن الحرب على الإرهاب يجب أن يبدأ من الرأس، من الحدود المفتوحة التي كانت السبب في تحويل سورية إلى مركز للإرهاب العالمي، إلى مساحات هائلة تتحرك عليها أقدام الإرهابيين والمسلحين من كل نوع وشكل. تلك الحدود تتحمل عمق المأساة التي وصلت إليها سورية وقد بلغت حدا لا يمكن القبول به .. لقد صار بالإمكان إغلاقها، ويعرف بوتين أن العقل البارد لأردوغان لديه سيناريوهات متعددة لأماكن أخرى يمكنه فتحها، طالما أن طول الحدود بين سورية وتركيا مئات الكيلومترات.

فهل يتمكن بوتين من إغلاق الحدود كمقدمة للإجهاز على الإرهاب بعد محاصرته وقطع أنفاسه. لا شك أن التركي ما زال يحلم بإسقاط الرئيس الأسد، وأنه الضمانة التي يعتمد عليها الأميركي في حربه على سورية .. فهو بالتالي يملك أوراقا مخفية قي هذا الشأن سوف يلعبها مجددا وعلى الحدود أيضا. إما أن تغلق منافذ تركيا المفتوحة أولا، وإما سيكون إغلاقها في نهاية البحث عن حل مشكلة.

الوطن العمانية

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28679