ما زال معظم المتابعين يتكهنون ردود الفعل الروسية على إسقاط أنقرة طائرة "السوخوي"، لكن عملياً بدأت موسكو تنفيذ سلسلة قرارات عسكرية تضيّق الخناق على الحركة التركية في الميدان السوري. في سياق ما يمكن وصفه بردود روسية على إسقاط تركيا لإحدى طائراتها الحربية فوق سورية، بدأت موسكو تنفيذ سلسلة قرارات متدحرجة لإعادة ترتيب ساحة الاشتباك فوق الأراضي السورية. "طعنة" إسقاط "السوخوي" تحوّلت إلى فرصة روسية لإظهار فِعل "الجريح القاد" على إتمام علاجه بنفسه، والإطباق على خصمه في آن واحد. لذا، نقلت موسكو خطوط حركة طائراتها إلى عمق الحدود السورية ــ التركية. فكانت النتيجة الاولى كسر المعادلة التي حاول الأتراك فرضها من خلال رسم خطوط حمر.
وخلال الساعات الـ36 الماضية، قصفت طائرات "السوخوي" على نحو عنيف نقاطاً على الحدود التركية، مستهدفة "كاراج" الشاحنات الرئيسي على معبر باب السلامة الحدودي في أعزاز في ريف حلب الشمالي. وقُصفت، أمس، نقطة قريبة من معبر باب الهوى، في ريف إدلب، حيث يتجمع عدد كبير من السيارات والشاحنات. دُمّرت شاحنات ذخيرة للمجموعات المسلحة، كما نقلت مواقع إعلامية معادية للأتراك، أو مساعدات إنسانية... لا يبدو ذلك يشكّل فارقاً في بنك الأهداف الروسي. وإلى جانب زيادة فعالية "السماء" عبر تنويع الأهداف وإدخال عدد من الطائرات الجديدة، كمّاً ونوعاً، إلى الخدمة، يتبدى أول مظاهر القرار الروسي بالتدخل المباشر في الميدان في مجال الدعم المدفعي. تمّ توثيق استخدام طرازات حديثة عدة من المدفعية ليست متوافرة في ترسانة الجيش السوري، وأكثرها تشغله ــ حالياً ــ طواقم روسية. راجمات الـ"توس" الحارقة التي تُستخدم بكثافة في ريف اللاذقية أخيراً، هي أشهر هذه الأنظمة. إلا أنّ هناك أيضاً مؤشرات على استخدام راجمات "سميرش" الثقيلة والبعيدة المدى، وصوراً تظهر مدفع الميدان الثقيل "متسا ــ ب" في تدمر وأماكن أخرى.
إن صحّت الأنباء عن نية روسيا زيادة وحداتها المدفعية في سوريا (هناك كلام عن عدّة ألوية)، فإن ذلك سيستلزم تشكيلات برية متخصصة لحماية هذه القوات وتأمينها. هذه الإمدادات ترتكز على نظرية أن القصف المدفعي، إن وظّف بفعالية واحتراف، هو السلاح الحاسم والضروري في ساحة كسوريا، وليست الطائرات وحدها. وذلك لأن المجموعات المسلحة تتموضع في مواقع دفاعية ومجهزة على نحو ممتاز من الناحية الهندسية، ويقول الخبراء الروس إنّه لا يمكن خرق هذه التحصينات إلا عبر سلاح مدفعية فعال ودقيق. من هنا، "يتكهّن" متابعون بأن المدافع الحديثة الذاتية الحركة (على عكس "ميستا ــ ب" المقطور) ستظهر في الساحة السورية قريباً. |
||||||||
|