وجهات نظر

لماذا دفعت واشنطن أنقرة لإسقاط الطائرة الروسية؟

تحسين الحلبي


قبل يوم من إسقاط الطائرة الروسية من تركيا كشف "جيسون ديتس" في تحليل موجز في الموقع الإلكتروني "أنتي وور"،  أن أوباما الرئيس الأميركي لا يرغب برؤية تعاون أو تنسيق عسكري بين باريس وموسكو في الحرب على "داعش"، لأنه يرغب بفرض سياسة عزل على روسيا ودورها ومنع التعاون معها من أي طرف في الحرب على "داعش"، لأن أي تعاون فرنسي أو أوروبي معها ضد الإرهاب، سيعرقل استمرار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على موسكو في أعقاب الأزمة الأوكرانية – الروسية وأجبرت دولاً أوروبية منها فرنسا على فرض هذه العقوبات.

وكشفت وسائل الأنباء الأوروبية أن أوباما شعر بغضب شديد من الجملة التي دعا فيها أولاند إلى توسيع التحالف الدولي ضد "داعش" وكان المقصود ضم روسيا إلى تحالف شامل ضد "داعش"، وتوقع عدد من المحللين في مجلة "بوليتيكو" أن يقوم أوباما بتحذير أولاند من زيادة حرارة علاقته بموسكو وخصوصاً أنه لم يستطع تحذير ميركل رئيسة الحكومة الألمانية من إعرابها عن التقدير لدور موسكو في محاربة الإرهاب الداعشي وغيره.


ولذلك يبدو أن أوباما وجد أن الرئيس بوتين نجح في تحويل الانتباه إلى هذا الموضوع الملح في جدول العمل الروسي مع أوروبا وحصد نتائج تشير إلى إمكانية التنسيق والتعاون بين برلين وباريس من جهة وموسكو من الجهة الأخرى، فتنقسم أوروبا تجاه أي تحالف أميركي معادٍ لروسيا في هذه الظروف وخصوصاً أن أوباما يرغب في أن تطول مدة الحرب على "داعش" وتوفر له العودة إلى محاولة استغلالها لاستنزاف حلفاء روسيا في المنطقة وخصوصاً في سورية ولبنان وإيران، وكلما طالت الحرب وترسخ تنسيق بين موسكو وباريس وبرلين ضد داعش فشل أوباما في عزل روسيا عن ساحة التأثير والتفاعل داخل ساحة أميركا الأوروبية.


وبالمقابل لم يأت توقيت إسقاط الطائرة الروسية على يد سلاح الجو التركي مصادفة، لأن أنقرة كانت قد طلبت من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة لبحث موضوع السوريون التركمان على حدود سورية الشمالية ودعت إلى إنشاء منطقة آمنة لحمايتهم كما جاء التوقيت بشكل متزامن مع اللقاء المرتقب في يوم الثلاثاء نفسه الذي أسقطت فيه الطائرة الروسية بين أوباما وأولاند ليصبح موضوع موسكو أنقرة على طاولة المحادثات بينهما وضمن أجواء غير مريحة لأولاند تجاه موسكو، وجاء التوقيت أيضاً قبل يوم من موعد الزيارة المقررة "لسيرغي لافروف"  وزير خارجية روسيا والمعدة من أجل التباحث في العملية السلمية في سورية وما بعد اجتماع فيينا وبيانه، فبدا من الواضح أن أنقرة لم تكن تفضل أن يحرجها لافروف في هذه الزيارة المهمة وكانت تدرك الاحتمال القوي بأن يلغي لافروف هذه الزيارة بعد إسقاط الطائرة الروسية وقد ألغاها بالفعل.


ويشير بعض المحللين الأميركيين، إلى أن أوباما وإدارته هما اللذان رسما مثل هذا السيناريو وتوقيته ضمن نفس هذه الحسابات ودفعا أنقرة إلى إسقاط الطائرة الروسية ضمن خطة أميركية تهدف إلى تحقيق عدد من النقاط ضد روسيا ومنها:


- مفاجأة بوتين الذي يعتقد أنه لا يمكن أن يتوقع مثل هذا الإجراء العدائي التركي، وهو الذي دعا جميع الدول المجاورة لسورية بما في ذلك "إسرائيل" إلى ضرورة وجود تنسيق مسبق تجاه الطلعات الجوية الروسية، وبادر إليها مع واشنطن بشكل خاص وتوقع أوباما أن تربك هذه المفاجأة بوتين والقيادة الروسية.


- تحويل الانتباه عن إيجابية الدور الروسي في محاربة إرهاب "داعش" بنظر العالم وما تحمله هذه الإيجابية من فضيحة للدور الأميركي تجاه "داعش" وأنصاره.


- إيجاد نوع من الحيوية المفقودة في حلف الأطلسي في خلق جبهة معادية لروسيا في تركيا حين يتضامن الحلف معها وهي الدولة الموجودة على الجهة المقابلة لأوكرانيا في البحر الأسود يضطر الأطلسي إلى توسيع نشاطه في هاتين المنطقتين.


- الرد على التعاون العسكري المتصاعد بين موسكو وطهران، بعد زيارة بوتين إلى طهران قبل يومين والاتفاقات العسكرية والاقتصادية الموقعة بين الدولتين.


فقد لاحظ المراقبون أن، واشنطن أرسلت المزيد من الطائرات المقاتلة والقاذفة إلى تركيا قبل أسبوع إلى قواعدها في الأراضي التركية، وأعلنت أمس أن الوحدات العسكرية الأميركية التي أعلن أنها لتدريب مجموعات المعارضة السورية ستصل قريباً جداً إلى مواقعها داخل الحدود السورية وقرب مواقع تسمح لها بالتحرك بين شمال سورية وشمال العراق.


لكن "بريت ماكغورك" المبعوث الأميركي الخاص لموضوع هذه الوحدات كان قد أعلن أنها ستتولى منع مجموعات داعش من الانتقال من شمال سورية إلى العراق؟!.. ومع ذلك لا بد من تأكيد أن القيادة الروسية تدرك أكثر من كل هذه التوقعات الأهداف الأميركية وستظل قادرة على الاستمرار في الإمساك بزمام المبادرة الهجومية على "داعش" ومن يدعم مجموعات داعش وستجد القيادة الروسية قدرة كافية على إحباط هذه الأهداف المكشوفة للدول الأوروبية وللدول الحليفة لموسكو في العالم.

 

الوطن- الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28566