وجهات نظر

اعتداءات باريس: محطة اختبار لحاجة الغرب إلى "داعش"

علي حيدر


 

كتب الكاتب علي حيدر مقالا في صحيقة الاخبار تحت عنوان" اعتداءات باريس: محطة اختبار لحاجة الغرب إلى "داعش"..جاء فيه:

 

فرض اعتداء «داعش» الإرهابي في باريس مروحة من التساؤلات والملاحظات التي تتصل بخلفيات ورهانات المخططين والمنفذين، والمفاعيل التي يمكن أن تترتب على عملية بهذا الحجم، وصولاً إلى استقراء تصور «داعش» إزاء هامشه في التحرك والمبادرة، خاصة أن طبيعة ردود الفعل الدولية وحجمها، سيؤكدان لهذا التنظيم صوابية رؤيته إلى حدود حاجة الغرب إليه
 

بداية، ينبغي تأكيد أن اعتداء باريس يشكل «الغزوة» الأولى ــ بلحاظ حجمها ونتائجها وساحة التنفيذ ــ لـ«داعش» ضد العالم الغربي، بعد تفجير الطائرة الروسية (لكل منهما سياقه المختلف). ولا شك في أن عملية صاخبة بهذا الحجم تم اتخاذ قرار بها من أعلى المستويات في هذا التنظيم الإرهابي، كذلك تعبّر عن تحوّل ما في رؤيته وخياراته. وعلى هذه الخلفية قد نكون أمام بداية مسار جديد في الهجمات الإرهابية التي ستطال العالم الغربي وخارجه.

 

لكن، ينبغي ألا نتجاهل حقيقة التنافس القائم بين «داعش» وتنظيم «القاعدة»، بمسمياتهما المتعددة، خاصة أن الكباش بينهما لا يزال في أوجه، حول من يملك منهما المشروعية، بعد إعلان «أبو بكر البغدادي» دولته، في محاولة لانتزاع المشروعية من «القاعدة» وأيمن الظواهري؛ فبقيت ورقة خيار «الجهاد» ضد الغرب، الذي يحاول «القاعدة» التمايز من خلاله. لكن هذه العملية سلبت من الأخير عامل «الجذب» الأساسي المتبقي له. وبفعل ذلك، قد تشكل هذه العملية دافعاً إضافياً لـ«القاعدة» من أجل منافسة «داعش» عبر تنفيذ عمليات صاخبة مشابهة.


القرار ليس بيد باريس بل بيد واشنطن التي لم تكتو إلى الآن بنيران الإرهاب

قد يصح القول إن فرنسا تعرضت لفشل استخباري مدوّ ومؤلم. لكن بلحاظ الأدوات والأساليب التي اتُّبعت، يمكن القول إن قدرة أي جهاز استخباري دولي محدودة جداً في مواجهة هذا النوع من الهجمات التي تتشكل من الانتحاري وسلاحه الرشاش وحزامه الناسف، بل يمكن أن يتكرر في أي دولة، ومن الصعب على الأجهزة الاستخبارية أن تقف في مواجهة تهديد كهذا، ما دام للإرهاب قواعده الخلفية وبناه التحتية، وهناك من يحتضنه ويدعمه. إلى ذلك، ينبغي القول إن ما تعرضت له فرنسا هو فشل استراتيجي، بل فشل مفاهيمي. لأن ما جرى هو نتاج ما صنعوه بأيديهم، خاصة عندما تصوروا أن بإمكانهم التحكم في الوحش الذي ربّوه، بل لم يكن يخطر على بالهم سيناريو كهذا. ولعل المفاعيل النفسية والسياسية لهذا الاعتداء تتجاوز الدولة الفرنسية. وليس بالضرورة أن تتعرض بعض البلدان لضربات مماثلة حتى تشعر بأنها تواجه استحقاقاً مشابهاً.


قد تصح المقارنة بين اعتداء باريس وأحداث 11 أيلول، رغم الفارق الكبير بين حجم الضحايا، لجهة أن الأخير تحول إلى حدث تأسيسي في بلورة التوجهات الأميركية. في المقابل، تحوَّل اعتداء باريس الإرهابي إلى استحقاق مفصلي يختبر الدور الذي سيلعبه هذا الاعتداء في بلورة السياسات الفرنسية، وصولاً إلى إحداث تحول في الموقف الدولي من الإرهاب الذي يشكله «داعش» وأخواته.


مع ذلك، ينبغي القول إن أكثر مفاعيل هذا الاعتداء ستتمحور حول الإجراءات التي ستتخذها فرنسا وبقية الدول الأوروبية على المستوى الداخلي وعلى مستوى القارة الأوروبية. أما بخصوص الخطوات العملية ضد «داعش» و«القاعدة»، فمن المبكر الحديث عن تحول كهذا. والمؤكد أننا لن نكون أمام حرب كونية شاملة ضد هذه التنظيمات الإرهابية، بل أمام الكثير من المؤتمرات ورفع الصوت والقليل من الأعمال الجذرية، خاصة أن قراراً بهذا الحجم ليس بيد فرنسا، بل بيد الولايات المتحدة التي لم تكتو إلى حدّ الآن بنيران الإرهاب الذي غذّته في بلادنا. وفي المجمل، لم تبلغ خسائر الغرب المباشرة من خروج الإرهاب عن الدور المرسوم له، إلى حدّ يجبره على إعادة النظر في استراتيجيته.


ولعل الأهم من كل ما تقدم، أن هذا الاعتداء سيشكل محطة كاشفة لـ«داعش» نفسه حول صحة تقديراته التي دفعته إلى توسيع رقعة اعتداءاته لتطاول القارة الأوروبية، وتحديداً في ما يتعلق بتثبيت رؤيته إلى حدود حاجة الغرب والولايات المتحدة إليه في مواجهة محور المقاومة. وستكون لهذه الرؤية مفاعيل إضافية سوف يحدد «داعش» على ضوئها هامش حركته على المستوى الدولي أيضاً، كما أدرك سابقاً حدود هذا الهامش على المستوى الإقليمي، في ظل ردود الفعل الدولية المضبوطة. ومن الآن، ليس من الصعب التقدير أن ذلك سيؤدي إلى أن يدفع الغرب المزيد من الأثمان المؤلمة.


الأخبار- علي حيدر

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28399