وجهات نظر

مأزق المعارضات السورية!!!

د. بسام أبو عبد الله


لو بحثنا في كل كتب التاريخ المعاصر عن توصيف دقيق لممارسات بعض من سموا أنفسهم (معارضين سوريين!!) لما وجدنا إلا توصيفاً واحداً وهو (متآمرين سوريين) أو (عملاء سوريين للأجنبي)، وتوصيفنا هذا يكاد يكون موضوعياً، وعلمياً إذا لا يوجد في تاريخ الأمم والشعوب من يدعو لاحتلال بلده بحجة بناء الديمقراطية، ونشر الحريات، وتوزيع حقوق الإنسان بإشراف سعودي- قطري!! ولا يوجد في التاريخ فضائح، وسقوط أخلاقي، وسياسي أكثر مما هو لدى بعض هؤلاء المنتفعين- الانتهازيين من شلال الدماء في وطنهم..
القضية لا ترتبط برأيي الشخصي، وإنما بالأدلة، والوثائق التي تصلح لمحاكمتهم كمجرمي حرب، وإرهابيين قتلة شاركوا مع قوى العدوان ضد أبناء بلدهم، وجيشه ومؤسساته، فها هو روبيرت فورد (الصهيوني القح) يتحدث في إحدى جلسات الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي بالقول: (بصراحة كانوا يدفعوننا للتدخل العسكري، والمعارضة تشعر بخيبة عميقة لأننا لم نلجأ للقوة العسكرية)!!!
– أي إن مدعي المعارضة هؤلاء يعرفون تماماً أن الشعب السوري لا يمكن أن يدعمهم، ولا أن يصوت لهم، وأنهم لا يتمتعون بأي مصداقية شعبية، ولهذا كانوا يريدون من الولايات المتحدة أن تتدخل عسكرياً لتنصيبهم (أزلاماً) لها في سورية، وهم أنفسهم الذين يتمسكون بالنصرة- وداعش، وغيرها من التنظيمات الإرهابية كأداة لتدمير الدولة السورية، والوصول إلى السلطة..
– المشروع انفضح، وانكشف، ولم يعد له لا أيدي، ولا أرجل- يمشي عليها بعد أن هزمته إرادة الشعب السوري، وجيشه البطل، ودعم الأصدقاء، والحلفاء، وأصبح اللعب على المكشوف كما يقال، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم لقادة مجموعة العشرين صوراً من الأقمار الاصطناعية الروسية تظهر شاحنات نقل النفط، وهي تسرق النفط السوري لمصلحة داعش، وتذهب باتجاه تركيا الحاضن الأساسي (للعملاء السوريين) المسمين (معارضة)!! وقدم لهم شيكات مصرفية لتحويل الأموال من دول خليجية وغيرها عبر المصارف التركية إلى داعش، وأخواتها، وهذا جزء بسيط مما لدى الاستخبارات الروسية عن هذه الشبكة الإجرامية الدولية المتعددة الجنسيات.
– أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فلم يعد بإمكانه أن يتحدث عن (الديمقراطيين الجدد) في سورية بعد أن ضربوا في قلب باريس وهو الذي ظل لسنوات يكذب، وينافق على شعبه، حتى إن وزير خارجية فرنسا (رولاند فابيوس) كان يرى في جبهة النصرة الإرهابية شعلة مضيئة في سماء الديمقراطية تستمد مبادئها من مبادئ الجمهورية الفرنسية، وتاريخ ديغول، وثورتها صاحبة المبادئ- كما سوق لنا كثير من المثقفين الذين (يسخسخون) أمام الغرب، ومبادئه السامية كما يرونها، ويُنظّرون بها صباح مساء..
– الآن تغيرت المعادلات، وانقلبت رأساً على عقب، وأصبح الحديث يجري عن انتخابات يقرر فيها الشعب السوري من يريد، وماذا يريد، وليس امتيازات تمنحها مجموعة دول لهذا الفصيل المعارض، أو ذاك، أو شاشات فضائيات تفرش السجاد الأحمر لأبواق سئم الناس منها، ومن خطابها الممجوج حول الديكتاتورية، وضرورة نشر الديمقراطية والحريات- وبإشراف من!! بإشراف السعودية وقطر وتركيا!!
– الآن يجري الحديث عن مصدر كل الشرعيات أي الشعب السوري وليس (مجموعة أصدقاء سورية!!) التي بدأت بـ114 دولة، لتنتهي بدولتين ونصف دولة، ولهذا فإن المعارضات السورية أمام مأزق كبير بعد خطاب عالي السقف لسنوات، ثم مرحلة تجميعهم بقوائم ليتم اصطفاء الأفضل بينهم، وكأننا في مسابقة (آراب آيدل) حيث ستقدم لائحة سعودية، وتركية، وأميركية، وقطرية، وفرنسية وبريطانية، ولا ندري إن كان هناك لائحة إسرائيلية!! كم نشعر بالخجل مما آلت إليه بعض المعارضات السورية من وضاعة، وإهانة للكرامة الوطنية السورية، إن كان لديهم كرامة أصلاً!!
– تخيلوا مثلاً أن أحدهم، وفي أول انتخابات برلمانية سيعلن لافتة يكتب عليها (انتخبوا مرشح آل ثاني- فلان الفلاني) – وآخر (انتخبوا مرشح آل سعود في القائمة الديمقراطية- الوهابية- مثلاً)، وثالث يكتب (انتخبوا المرشح التائب العائد من داعش أو النصرة- أو أحرار الشام..) أما الأهم فسوف نراه لدى اليسارين سابقاً الذين قد يكتب بعضهم (انتخبوا المرشح الماركسي سابقاً- والوهابي حالياً).. وإذا كان ما ذكرناه من باب الدعابة، فإن شر البلية ما يضحك..
إن أكثر ما يؤلم أن تقرأ رسالة السيناتور الأميركي ريتشارد بلاك، وهو يوصف ما يجري في سورية بأنه حرب غير قانونية لعدوان تشنه قوى خارجية صممت على فرض نظام عميل بالقوة، على حين أن بعض المعارضات ما تزال تردد كلمة (ثورة)- وديمقراطية بشكل يدعوك للتقيؤ أحياناً من شدة نفاقهم، وكذبهم، وحقدهم واللؤم الذي لا تعهده إلا لدى الأعداء، وليس أبناء البلد الواحد.
– في كل الأحوال فإن مأزق المعارضات سيزداد كلما اقتربت آفاق الحل، والتسويات، والأسئلة الصعبة التي سوف تواجههم ومنها:
- أي سورية تريدون، المقاومة، العربية، المستقلة، أم سورية التابعة، الخانعة، المستسلمة؟
- أي نظام اقتصادي- اجتماعي تطرحون، نظاماً يقدم التعليم، والصحة والخدمات المجانية للفقراء، ويجمع بين مزايا النظامين الرأسمالي والاشتراكي، أم نظاماً نيوليبرالياً تابعاً لقوى الهيمنة العالمية؟
- أي نظام تربوي، ثقافي، إعلامي تريدون: هل هو من يعزز الهوية، والانتماء الوطني، والتسامح، والمحبة، ويلغي الطائفية ويعتبرها جريمة، أم نظام يعزز التفرقة، ويميز بين أبناء الشعب من خلال الطوائف، والمذاهب، والإتنيات، خدمة لمشروع تفتيت المنطقة؟
- أي جيش تريدون، جيشاً عقيدته انهزامية، غير مقاومة، وغير عربية تقوم على الارتزاق والتبعية أم جيشاً عربياً سورياً مقاوماً ترفع رأسك بجنوده، وصف ضباطه، وضباطه الذين قدموا أمثولة في التضحية، والفداء من أجل الوطن والشعب، إنه جيش الشهداء..
– تلك هي الأسئلة الصعبة التي سيواجهها هؤلاء، إن قبلوا المواجهة وساعتئذ سيقرر الشعب السوري مصيركم، ومصير غيركم من المعارضات التي راهنت على الخارج، وعلى الإرهاب ليوصلها إلى كرسي ملوث بالدماء.
– اعتقادي الشخصي أننا عندما سنستمع إلى هؤلاء مستقبلاً سوف نفعل كما فعل باراك أوباما في قمة العشرين الأخيرة أثناء إلقاء أردوغان لخطابه حيث كان يمضغ العلكة، ويضع سماعات الترجمة جانباً، وهو ما يعني أنه لم يشعر أنه بحاجة للاستماع لكلام أردوغان (حسبما نقل الصحفي التركي جعفر سولغون).

الوطن
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28366