وجهات نظر

حوار الطرشان في فيينا... والإرهاب المتنقّل

سلوى الخليل الأمين


ماذا يعني هذا الإرهاب المتنقل بسرعة البرق من شرم الشيخ إلى الحيّ الشعبي في برج البراجنة إلى أماكن الرياضة والفن المسرحي والمطاعم في باريس؟ هل هي نقطة الانطلاق إلى مسار جديد يرسم حدود الدولة الداعشية الإرهابية التي أرساها العقل الغربي المتحجّر، فوق أرض سورية والعراق ولبنان، ومن ثم يحاول تخفيف مفعولها من فيينا، التي يصول فيها الأميركي والسعودي ومندوب الأمم المتحدة بعقل متحجّر عنوانه الكبير بكلّ بساطة: خروج الرئيس بشار الأسد من حكم سورية.


السؤال هو: هل بات هذا الإرهاب المتنقل مربوطاً بالخوف من ثبات سورية في الميدان بقيادة الرئيس بشار الأسد الواقف بثبات ضدّ مؤامراتهم الشيطانية، التي رسموها وخططوا لها، من دون ان يدروا أنهم سيقعون في شرّ أفعالهم كما حدث البارحة في باريس.
ثم هل تبنى الصراعات الدولية المتنقلة، القائمة على سوء الظنّ والشبهة، وعدم إدراك حالة الصمود والتصدّي الثابتة في الأجندات السورية، بدءاً من محاربة العدو الصهيوني، وانطلاقاً إلى الذود عن حياض الوطن في وجه المؤامرة الكونية الحالية، التي مارست كلّ أساليب الغباء الغربي المكشوف، من إعلام وتجنيد عملاء وضغط على الحلفاء من أعراب وأتراك ومرتزقة من جميع أنحاء العالم، من أجل تدمير فكرة المقاومة والدفاع عن الوطن التي تزداد علواً كلما أمعنوا في دعم العصابات التكفيرية الإرهابية، التي صنعوها وموّلوها وأنتجوها وأطلقوها في بلاد الشام، بعد أن منحوها بركاتهم المغطاة بوسائل إعلامهم الذي يبث فبركاته الإعلامية التي تدين الرئيس بشار الأسد وقائد المقاومة السيد حسن نصر الله، بسبب اتخاذهما القرار بإجهاض المؤامرة والقضاء على الإرهاب مهما بلغت التضحيات.

 

لهذا، وبعد خمس سنوات من الصمود المشرّف في سورية، ودخول روسيا المعركة من أجل المساندة في القضاء على "داعش" و"النصرة" وأخواتهما، ونتيجة للتقدّم الكبير الذي يحرزه الجيش السوري مع حلفائه، في تحرير المناطق الرزاحة تحت سلطة الإرهابيين من "داعش" و"النصرة" و"جيش الفتح" و"أحرار الشام" وغيرهم، خصوصاً في أرياف حلب وحمص ودرعا، وانكفاء الدواعش عن العديد من القرى والبلدات وتحرير مطار كويرس إلى جانب الطرق الدولية بين حلب ودمشق وبين حمص ودمشق، جعل العقل الشيطاني يعمد إلى إرسال متفجّراته إلى شرم الشيخ في مصر وبرج البراجنة في لبنان وإلى العاصمة الفرنسية باريس، الغافية على ماض استعماري ما زال رنين أجراسه يداعب مخيّلة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المُدان حالياً من شعبه بسبب تدخله في سورية، وقبلها غزو ليبيا وتسليمها لقمة سائغة إلى الإرهابيين، من دون أيّ التفات، إلى المستقبل الحامل نار الجحيم الذي قلب السحر على الساحر، بفاجعة كبيرة لم تحتملها باريس ولا أوروبا برمّتها، ولا حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يتجاهل ما يعانيه الإنسان العربي على امتداد جغرافية هذا الشرق المبتلي بمؤامراتهم الشريرة.


لقد أعلن الرئيس الفرنسي صراحة، بعد اجتماع مجلس الدفاع الفرنسي الأعلى، الحرب على "داعش" الإرهابية بالقول: "إنها الحرب المفتوحة على الإرهاب"… نفهم جيدا هذا القرار، لكن السؤال الذي لا بدّ من طرحه هو: لماذ لم تهزّكم حالات الذبح والقتل والتدمير والتهجير التي تعرّض لها الشعب في سورية وما زال، وأيضاً التفجيرات التي تحصد المئات من الناس في كلّ من العراق ولبنان؟ ثمّ ألا يظنّ الرئيس الفرنسي ومن يدعمه من قادة العالم وفي طليعتهم الرئيس الأميركي أنّ المناداة بالحرب على الإرهاب والحلّ السياسي في فيينا، وتحديد الأهداف بإسلوب عدائي، مبطن بالمصالح الخاصة، التي ترسم حسابات الربح دون الخسارة، وتجاذباتها التي ستخضع مستقبلاً إلى ارتفاع كفة النصر لصالح سورية وحلفائها، التي قد تكون بحاجة إلى إغلاق ملف فيينا المهزوز عبر التفتيش عن معارضة سورية معتدلة، والتواصل بسرعة مع مَن هم على أرض الميدان بكلّ أجهزتهم المخابراتية والعسكرية والبشرية من أجل تنظيم الحرب على الإرهاب، التي أعلنها "مشكوراً" الرئيس فرانسوا هولاند، الذى أجبرته فاجعة باريس البشعة، بالعودة إلى لغة العقل والضمير، التي تفرض بدء العدّ العكسي لجدية اتخاذ القرار الآيل إلى القضاء على الإرهاب وخلاياه النائمة شرقاً وغرباً، من دون أيّ اجترار لصورة الماضي القريب وتفاعلاته، التي رسموها تطويباً استعمارياً جديداً لهم في البرّ والبحر، وفوق جثامين الضحايا الأبرياء من أبناء هذا الشرق الحزين وبلادهم أيضاً، التي أصابه ما أصابنا بسبب قرارت حكامها الهمايونية، وأسلحتهم النارية الفتاكة، وثروات عملائهم الأغبياء، الذين يظنون أنّ الإرهاب بعيد عن ديارهم وقصورهم، وهو لو يدرون أقرب إليهم من حبل الوريد.


نأسف أن يكون النظام العالمي الجديد، الذي زرعوه مغلفاً بالشرّ والإرهاب، ظناً منهم أنّ النصر النهائي ترسمه ثقافة صدام الحضارات، القائمة على تكريس الولايات المتحدة الأميركية كقوة أحادية عظمى، تملك العصا لمن عصى، دون حسيب أو رقيب، قد فشل فشلاً ذريعاً، لهذا المطلوب من فرنسا وحلفائها العضّ على الجراح والتواصل بسرعة مع الرئيس بشار الأسد وإيران وروسيا من أجل التوافق والتضامن من أجل جعل القضاء على الإرهاب مسألة إنسانية وطنية عالمية، تحمل صفة الأولوية في أجنداتهم قبل فيينا وحواراتها القائمة على قصر النظر.


فمشاريع الحوار بين الغرب المتعجرف والشرق المبتلي بالإرهاب المتوحّش، لن تؤتي ثمارها ما دام التوتر قائماً في الخطابات السياسية التي لا تستند إلى واقع المعارك العسكرية القائمة على الأرض السورية، لهذا لا يمكن أن ترسم خطط القضاء على الإرهاب والقيادة السورية خارج الحلبة، وتصريحات وزير الخارجية الأميركي تحمل المغالاة في فرض القوة والرأي، عبر اتهام الرئيس السوري أنه أبرم اتفاقيات مع "داعش" للمتاجرة بالنفط، هنا يتبيّن للمتابع والمراقب مدى حجم الإفلاس الذي تتخبّط به الإدارة الأميركية وحلفائها جميعهم.


إنّ الإدارة الأميركية تعلم تمام العلم، أنّ جميع الشعوب هي صاحبة الحق في تقرير مصيرها، وأنّ سياسة دولها ترسم من قبل سياسيّيها وقادتها المنتخبين برضى تام من قبل الشعب، وإنّ مصير الرؤساء لا يمكن أن تقرّره السلطة الأميركية النيرونية الممثلة حالياً للديكتاتورية العالمية، المسيطرة على وسائل الإعلام ومفاصل الاقتصاد العالمي، الذي به تقوى سياستهم وأساليبهم الرمادية، التي تسلب شعوب العالم الأمن والأمان
لهذا يبقى البحث في أهمية غضّ النظر عن متابعة الحوار في فيينا من أجل سورية، وعدم التفتيش عمّن ينصبوهم معارضة سورية معتدلة، خصوصاً أنّ أحداث الفواجع الأخيرة في كلّ من باريس وشرم الشيخ قد قلبت ظهر المجن، وكذلك دماء الأبرياء التي غطت الحيّ الشعبي في برج البراجنة، والتي زادت الناس صموداً وثباتاً ضدّ الإرهاب وكلّ من يدعمه ويموّله ويدافع عنه ويسهّل ممرات سيره ومساره.


لهذا يبدو أنّ حوار الطرشان هو الظاهر من مسار الحوار في فيينا، حيث الحوار بحاجة حتمية إلى قناعات تعترف بانتصار الجيش السوري على أرضه، وبالتالي فإنّ من يفرض الشروط هو المنتصر، لهذا فإنّ ما يبدو من إصرار أميركي على وضع العراقيل القائمة على تنحّي الرئيس بشار الأسد القائد المقاوم المعترَف بشرعيته القانونية من الشعب السوري، ما هو سوى عملية ذرّ الرماد على مضامين الحوار وبالتالي تشجيع الإرهاب على التمدّد والانتشار الذي لن يكون بعيداً عن ديارهم وممالكهم الآيلة إلى السقوط.


لا بدّ من القول أخيراً أنه يجب أن لا يغيب عن بال الغرب أنّ القوة وثورة المعلومات والاتصالات، لا تعني أنّ من يملك مقوّماتها قادراً على استعباد الشعوب، وأنّ العالم قد أصبح قرية كونية صغيرة مفتوحة المسارات والآذان، حيث بدقيقة واحدة يستطيع أيّ مواطن عبر العالم كشف المستور، مما تنتجه المخابرات الدولية بواسطة أدواتها الإرهابية، الهادفة إلى تركيع الشعوب، التي باتت على بيّنة وإدراك تامّين لإحداثيات ومضامين المؤامرات التي ترسم في الكواليس، وتنتج هذا الإرهاب المتنقل الهادف إلى السيطرة الأحادية التي سقطت مضامين قوتها العالمية، وحيث لا بدّ من الاعتراف بأنّ النظرة الغربية الفوقية التي ترسم تحدّياتها مساراً لفرض القوة الاستكبارية على شعوب الأرض قد ولى زمانها.

 

 

البناء- الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28308