اقتصاد وأسواق

بعد التقشف.. 50 ألف ليرة متوسط دخل الأسرة السورية


ذكرت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، أن وسطي الإنفاق الشهري الكلي للأسرة السورية 50 ألف ليرة في موجة الغلاء التي تجتاح البلاد، وذلك بعد التقشف المفروض بحكم الظروف.

علماً أن إحصائية سابقة  بينت أن وسطي الإنفاق الشهري الكلي للأسرة السورية في العام 2009 كانت نحو 30 ألف ليرة سورية، تشمل الغذاء واللباس والأثاث المنزلي والنقل والاتصالات والتعليم والإيجار الشهري مع فواتير الكهرباء والماء مع الغاز والمازوت والإنترنت، ورأى مواطنون إن متوسط إنفاق الأسرة ارتفع بحدود 150% على الأقل خلال الأزمة بعد أن كان ما بين 20 إلى 25 ألف ليرة سورية للأسرة التي تتألف من 4 أشخاص بمستوى وسط وما دون.

وذكرت الاحصائية التي قسمت مستويات الدخل إلى 7 شرائح ان الشرائح الوسطى تنفق بين 30 و40 ألف ليرة سورية  بينما الشرائح 5و 6 و7  ينخفض إنفاقها عن 27600 ليرة سورية في الشهر.

وذكر مواطنون أنه في ظل الظروف الراهنة وموجة الغلاء اليوم، يقترب متوسط إنفاق الأسرة شهريا إلى نحو 50 ألف ليرة سورية وأحياناً يتجاوزها في الأشهر التي تضمن مناسبات خاصة كالاعياد والظروف الجوية ومواسم المدارس و"المونة"، وذلك بعد التقشف المفروض بحكم الظروف.

تغير العادات الاستهلاكية:

التبدل القسري الذي طرأ على مستويات الصرف للاسرة السورية ادى بشكل دراماتيكي إلى تغير في العادات الغذائية للمواطن السوري، فقد أضحت اللحمة هدية الشهر إن تمكن من شرائها مرة واحدة في بعض المستويات او الشرائح، والفروج هجر موائد الأسرة السورية وبات بيضه يفقس ذهباً للتجار.

وتحولت الأسرة من التبضع كل شهر أو شهرين في أسواق الألبسة إلى التبضع في بداية الموسم ومن على البسطات غالبا أو محال البالة، ومن دخل إلى محل ألبسة "تقليدي" يعتبر من الميسورين .. جدا !

وبات المواطن يبحث عن بدائل تتماشى مع الارتفاع الجنوني للاسعار، فاسبدلت اللحمة بمرقة الدجاج ماجي، وزيت دوار الشمس عوضاً عن السمنة على الرغم من ارتفاع ثمنه، وأصبح غذاء العائلة الرئيسي هو البقول التي ارتفع ثمنها أضعافا لكنه بقي اقل سعرا من غير مواد، خاصة ان البقوليات عند الطهي تعطي كمية أكبر، وتؤكل على مدى يومين (حسب ربات بيوت).

وغدا مصروف التنقل اليومي يعادل أكثر من ربع الراتب، وليضاف الى هواجس رب الأسرة خصوصاً من يرعى ابناء طلاب في الجامعات والمدارس، ولم تقتصر معاناة الأسرة السورية على الغلاء فحسب، اذ جاءت حالات التهجير من البيوت لتضيف الى معاناتهم بندا اكثر قسوة من سابقه تمثل بأجور السكن التي ارتفعت بشكل خيالي.

مؤشرات أسعار الاستهلاك:

أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق هيثم عيسى قال: إن احتساب مقياس مؤشر أسعار المستهلك يتم بشكل سنوي أوخلال ربع السنة ويعكس متوسط التغيير في أسعار السلع الموجودة في الأسواق، الأسعار النهائية.

وأشار عيسى إلى إن: متوسط الزيادة ارتفع خلال فترة الأزمة ما بين 35% إلى 40%، يمكن تقسيمه من عام 2010 إلى عام 2011 ارتفع بمقدار الثلث ثم عاد ليرتفع من 2011 إلى 2012 بمقدار الثلث عن الارتفاع السابق، ليرتفع مجدداً من 2012 إلى 2013 كذلك بمقدار الثلث ايضا، أي إن محصلة الارتفاع هي تراكمية.

وأضاف، أن بنية هذا المؤشر تقسم إلى أغذية ومشروبات وسكن وغيرها، لكن الأغذية هي التي شهدت الارتفاع الأكبر في الأسعار، وحسب الإحصائية فإن متوسط الزيادة في أسعار السلع الغذائية تراوح ما بين 100% إلى 150%

تراجع القدرة الإنتاجية للاقتصاد السوري

ولفت عيسى إلى أن أهم الأسباب وراء هذا الارتفاع هو تناقص القدرة الإنتاجية للاقتصاد السوري والتراجع الحاد في حجم الإنتاج، وتعرض المنشآت الصناعية للتخريب والنهب إضافة إلى هجرة الصناعيين إلى دول الجوار، ومن جهة أخرى هناك الفلاحون وضعف إنتاجيتهم.

وبين أن العديد منهم لم يتمكنوا من جني المحصول وتسويقه وهناك من لم يتمكن من زراعته، كما أن العقوبات الاقتصادية المفروضة أضعفت القدرة على استيراد المواد الأولية وقطع الغيار وغيرها من مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي.

تحكم التجار بالأسعار وعدم خضوع الأسواق لضوابط

كما لفت إلى أن الأسواق السورية لا تخضع لضوابط أو سلطة مباشرة من الجهات الحكومية، وهناك ضعف في الكوادر الحكومية المسؤولة عن متابعة ومراقبة الأسواق وملاحقة المتلاعبين بالأسعار، حيث شهد السوق تلاعباً واضحاً من التجار بالأسعار وخصوصاً مع ما شهده سعر صرف الدولار من ارتفاع حاد إلى انخفاض سريع.

وبين أن التاجر ادعى عند ارتفاع سعر الدولار على أنه اشترى بضاعته وفقاً للسعر الجديد مع أن السعر لم يمض وقت طويل على طرحه، وعند انخفاض السعر يجد التاجر لنفسه مبرراً في الاستمرار برفع الأسعار بحجة أنه اشترى البضاعة عندما كان الدولار مرتفعاً، ولولا ضعف التدخل الحكومي لما تمكن التاجر من التلاعب بالسوق بالطريقة التي يريدها.

وأشار عيسى إلى عدم تناسق الإجراءات التي اتخذت من قبل الجهات الحكومية، فالكثير من قرارات التدخل في السوق لم تكن مدروسة واتخذت على عجل ولم يكن لها نتائج.

المستهلك السوري" يقرش" الانفاق

وقسّم الدكتور عيسى المستهلك السوري إلى قسمين خلال الأزمة، فالقسم الأول هو من لم يتأثر بارتفاع الأسعار وإنما استفاد منها وهم التجار والصناعيون الذين تحكموا بالأسواق وتعتبر الأزمة بالنسبة لهم (فترة ربح استثنائية).

والقسم الآخر فئة الدخل المحدود وكان لهم عدة ردود فعل للتعامل مع ارتفاع الأسعار، فمنهم من قام بالادخار وهم سكان المناطق الريفية، أو من تمكن من تخزين المؤونة من سكان المدن، للتخفيف من مصاريف شراء المواد الغذائية، لكن الأغلبية العظمى لم يتمكنوا من التخزين وكانوا الأكثر تأثراً وقاموا بتخفيض الكميات المستهلكة وهو ما يسمى (عقلنة الإنفاق أو تقريش الإنفاق) أي كل قرش يجب أن يوضع في مكانه.

وأكد عيسى أن التدخل الحكومي الصحيح يخفف من آثار الأزمة في ارتفاع متوسط الإنفاق للأسرة، ويمكن أن نعطي مثالاً في وجود سوق وحيد للخضار والفواكه في دمشق وهو سوق الهال، ولو أن الحكومة أوجدت سوقاً منافساً له لكانت هناك تنافسية في العرض والطلب تؤدي لخفض الأسعار.

كما يجب على الحكومة تفعيل دور المؤسسات الحكومية وتقوية دورها في التدخل لحماية المستهلك، والأهم هو أن تدخل الحكومة في السوق وتصبح كالتاجر وتبتعد عن دور المخطط للسوق وتصبح فاعلاً أساسياً فيه.

يذكر أن المكتب المركزي للإحصاء لم ينشر إحصائيات ترصد تطورات الإنفاق خلال الأزمة بالتزامن مع ارتفاع التضخم الذي يعبر عنه الرقم القياسي للأسعار.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=8&id=2161