تحقيقات وتقارير

الإرهاب يسعى لمحو تراثنا الحضاري.. فكيف نحميه؟


تدمير الإرث الثقافي، وتخريب الآثار أو نهبها وتهريبها، كانت عناوين لخطة عمل، بدأتها مجموعات مسلحة إرهابية، من خلال نشر الفوضى في كافة الأراضي السورية، ساعيةً من خلال ارتباطاتها باستخبارات غربية الى تنفيذ أجندة، جلّ غايتها محو تاريخ الشرق ودفن ذاكرة الزمان والانسان فيه.

وفي ظل ما تعانيه سوريا منذ أكثر من أربع سنوات، تعرضت المواقع الاثرية والمتاحف في مختلف المناطق للنهب والسرقة والتنقيب على يد المهرّبين وتجار الآثار، كما تعرّضت الكنائس والاديرة للسرقة قبل البدء بتدميرها، فيما نشطت حركة التزوير، وتضررت بعض المباني الأثرية في عدد من المحافظات، وذلك كله بفعل إرهاب المجموعات المسلحة التي انتشرت في مناطق سورية وخاصة الأثرية منها.


تهريب الآثار تجارة "داعش" الرابحة

تعمد التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" وأخواتها إلى تدمير وتخريب وتهريب القطع الأثرية التاريخية من أجل رفع إيراداتها وتمويل إرهابها، وكان آخر مافعله "داعش" هو إصدار ورقة موجهة إلى عناصر التنظيم، مضمونها تقديم تسهيلات لحامل الورقة كونه "خبير بالآثار".

و كتب في الورقة التي تداولها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، العبارة التالية: "يرجى مساعدة حامل هذا الكتاب بالبحث والتنقيب عن الآثار علماً أنه يحمل جهازاً كاشفاً للآثار".

و يذكر أن تقارير عديدة صادرة عن منظمات دولية، تحدّثت عن تمويلٍ يتلقّاه التنظيم جراء أعمال نهب الآثار وتهريبها، ولكن التنظيم الإرهابي كان يحاول دائما، تكذيب تلك التقارير عبر إحراق وتدمير آثارٍ تاريخيةٍ معروفةٍ في سورية والعراق أيضاً، معتبراً إياها أصناماً، إلا أن الخبراء اعتبروا أن تدمير مثل تلك الآثار التاريخية يعود إلى عدم قدرة التنظيم الاستفادة منها لشهرتها الكبيرة، بينما يستغلّ "داعش" بعض التحف والآثار الأقل شهرةً في عمليات تمويله.

حيث أفادت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أن "التجارة غير المشروعة للآثار والتي تعد مصدراً هاماً للجماعات الإرهابية اليوم في سورية، ليست بالأمر الجديد".

و كشف محرر في الصحيفة، صور من القطع الأثرية المهربة من سورية قبل عام، وهي موجودة الآن في ألمانيا والسويد. تورط دول إقليمية في تهريب هذه الآثار مع متواطئين من الداخل السوري لم تقتصر عمليات سرقة الآثار على الممجموعات الإرهابية المنتشرة داخل سورية، فكثير من التقارير الإعلامية الغربية والعربية، كشفت تورط دول إقليمية بدعم ومساعدة شبكات الاتجار بالآثار، ومنها تركيا والأردن ولبنان وإلى حدّ ما مع العراق، وفي بعض الأحيان كان يتمّ تهريب الكنوز المسروقة إلى خارج سورية بالطائرات وبالتعاون مع استخبارات أو شبكات إرهاب دولية ينتشر سماسرتها على الحدود السورية.

وكان الدور الأكبر في عمليات سرقة وتدمير التراث الثقافي السوري لنظام أردوغان في تركيا حيث زوّدت استخباراته مجموعات الارهاب بأدوات المسح والتنقيب المتطورة، وتتم عمليات نهب القطع الأثرية بإشراف خبراء بريطانيين وأتراك وفرنسيين يقومون بالتأكد من صحتها، وبيعها للعديد من دول العالم ومن بينها أمريكا، وذلك بحسب أناس ضالعين في هذه التجارة، ومن إحدى الصفقات، بيع تمثال صغير قد وصل سعره إلى 30 ألف دولار وقطعة أخرى وصل سعرها لحد 300ألف دولار.

كما يؤكد الخبراء أن لبنان يشكل نقطة ارتكاز للاتجار بالآثار في المنطقة، وتقول مسؤولة في المديرية العامة للآثار التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية، أن "القوى الأمنية تضبط سنوياً أكثر من 20 عملية تهريب للآثار داخل لبنان، من دون احتساب العمليات التي تحصل في المطار وعلى الحدود البرية".

وكانت الحدود الأردنية مع سورية شهدت مؤخراً عدداً كبيراً من حالات تهريب أثار سورية للأراضي الأردنية، حيث تم ضبطها من الجانب الأردني وتوثيقها ليتم إعادتها للجانب السوري في الوقت المناسب بتنسيق حكومي بين البلدين.

وحتى الساعة تشير التقارير الرسمية إلى أن قيمة الآثار التي تم تهريبها من سورية وصلت إلى 2 مليار دولار. وهناك أكثر من 12 متحفاً سورياً تعرض للتخريب والسرقة. وبلغ عدد الآثار المسروقة 4000 قطعة بحسب وزير الثقافة السوري بشر يازجي. وما يرويه النازحون أكبر وأفظع من الأرقام الرسمية، خصوصاً ما جرى في مدينة حلب من تدمير لآثار تعود إلى القرون الوسطى، إضافة إلى مواقع أثرية أخرى تم نهبها، في سابقة لم تشهد أي من الدول التي عانت الحروب الأهلية مثيلاً لها.

لكن ذلك لا يمثل إلاّ جزءاً من الصورة القاتمة، مقارنة مع ما تحتضنه سورية من مواقع عالمية للإرث الحضاري ومنها إلى جانب حلب، دمشق وبصرى وقلعة صلاح الدين وقلعة الحصن ومدينة تدمر الرومانية، إضافة الى العديد من القرى التي يزخر بها شمال البلاد بحسب منظمة"اليونسكو" العالمية.

 

الآثار السورية تُباع وتُعرض في متاحف دول أخرى

كان علماء آثار بريطانيون كشفوا منذ أكثر من شهرين أن أكثر من 100قطعة أثرية وتحفة فنية قام تنظيم "داعش" الإرهابي بسرقتها من سورية وصلت إلى بريطانيا بعد تهريبها بطريقة ما، وتم بيعها في السوق البريطانية من أجل تمويل الجرائم الإرهابية التي يرتكبها التنظيم.

وأظهرت تقارير إعلامية مؤخراً أن التنظيم الإرهابي يعرض القطع والتحف الفنية المسروقة للبيع على موقع "آي باي" الذي يعد موقع المزادات الأول على الإنترنت حيث يمثل الوسيط بين البائع والمشتري.

وفي تقرير أعده الباحث البريطاني هاف توملينسون لصحيفة "التايمز" البريطانية فإن قطعا أثرية معدنية وخزفية فضلا عن مجوهرات وحلي قام إرهابيو تنظيم "داعش" بسرقتها ونهبها من سورية والعراق، وجدت طريقها إلى مشترين في دول الخليج عبر عصابات إجرامية تتاجر بها وتجني ملايين الدولارات من الأرباح من ورائها. كما يوجد معلومات عن آثار من سورية والعراق معروضة في متحف سان فرانسيسكو للفنون موثقة بالصور منذ أكثر من عام، ولم يتم استعادتها حتى الآن؟

 

حلول واستراتيجيات

في تصريح خاص للإعلام الالكتروني قال وزير السياحة السيد بشر يازجي: "إن دور وزارة السياحة في حماية الآثار السورية مهم جداًمن خلال تواصلنا مع المنظمات العالمية".

وأضاف يازجي "اليوم كان لنا تواصل مع منظمة السياحة العالمية، وأطلقت المنظمة بعد ذلك مبادرة (كن مسافراً مسؤولاً) تهدف إلى منع السرقة والاتجار بالآثار السورية، وتوعية للسواح أن لا يكونوا شركاءً في سرقة الآثار وتمويل الإرهاب".

فيما انطلقت حملات وطنية ودولية ومؤتمرات عالمية عديدة وبشكل دوري لمنظمات دولية تشرف على توثيق الآثار في العالم ومنها اليونسكو، التي طالبت بحماية المناطق الأثرية في سورية، ودعت لدور دولي فاعل لمكافحة العصابات الدولية، وارتباطاتها الداخلية التي تسهم في نهب التراث الثقافي السوري العريق، وقالت منظمة اليونسكو: "نحذر من نهب وتدمير الآثار السورية.. إن الإضرار بتراث بلد هو إضرار بروح الشعب وهويته".

معركتنا الآن في سورية هي معركة حماية تاريخ وطن وتراثه، لذلك لا بد لنا أن نكون جميعاً يد واحدة في حماية إرث حضاري يعود لآلاف السنين، وبالتالي فضح الجهات التي تدعم الإرهاب وعلاقاته بالكيان الصهيوني الذي يملك هدف ذو بعد تاريخي، ديني، استيطاني، قومي وعنصري، يسعى من خلاله لإحلال وتثبيت شرذمات بشرية مكان شعب ذو أصالة وتاريخ.

 

مركز الاعلام الالكتروني _ مرام جعفر
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=20934