تحقيقات وتقارير

سوق العقارات.. بين الغلاء والاستغلال والجشع


لم يؤثر ارتفاع سعر صرف الدولار وهبوط قيمة الليرة السورية فقط على المواد الغذائية، بل أيضا كان لمواد ومستلزمات البناء نصيب منه، ولعل الارتفاع الجنوني بأسعار مستلزمات البناء من إسمنت وحديد ومواد صحيّة وكهربائية وأجور أيدي عاملة كان سببا في ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات بشكل كبير في مختلف مناطق العاصمة دمشق وريفها.

 

فقد أدت زيادة الكثافة السكانية في "المناطق الآمنة" بدمشق بعد نزوح المواطنين إليها من المناطق الساخنة، واضطرارهم لاستئجار المنازل فيها، إلى ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات بعد أن شكل هذا ضغطاً كبيراً على طلب الإيجار.

( الدخانية، اليونسية، المليحة، بيت سحم وببيلا ) كل هذه المناطق لجأ سكانها بشكل غير منظم إلى منطقة جرمانا بريف دمشق باعتبارها النقطة الآمنة القريبة منهم، فكان لها النصيب الأكبر من الوافدين.

فوضى أزمة النزوح هذه ، جعلت الكثير من مالكي العقارات والأموال المجمدة يستغلون معاناة المهجرين، ما أدى إلى فوضى في إرتفاع الأسعار بغض النظر أكان العقار صالح للسكن أم لا.

يقول بلال موظف حكومي مهجر من الدخانية ويقطن حاليا في بناء دون إكساء: "بات مشهداً مألوفاً أن ترى شققاً على العظم مسكونة في جرمانا، مؤجرة بمبالغ بين 20 و30 ألف ليرة سورية، والكثير منها غير صالحة للسكن، بعضها بلا نوافذ أو فتحات تهوية، وبعضها غير مجهز بمطبخ،ولا تصلها المياه اللازمة للغسيل، حيث نضطر إلى شراء المياه، ناهيك عن انقطاع الكهرباء المستمر".
ويضيف: "أصبح هناك استغلال حقيقي لوضعنا كمهجرين من بيوتنا، فمن غيرالمعقول أن يدفع المواطن نصف راتبه أجاراً لمنزل، مع عدم مراعاة وضعه، فبيوتنا دمرت، وهجّرنا منها ليأتي غلاء الايجار ويزيد معاناتنا معاناة أخرى".

 

وفي الأماكن المنظمة من جرمانا يقول حسان رب أسرة: "لقد بلغت أجرة المنزل الصغير (غرفة وصالون) بين 20 و25 ألف ليرة سورية، قد تقطن فيه عائلتان مع الأطفال. وأجرة الشقة من غرفة واحدة ومطبخ بين 15 و20 ألف ليرة، تؤوي عائلة من خمسة أشخاص. في حين أن شقة من غرفتين تستأجر بـ25 إلى 30 ألف ليرة، قد تؤوي ثلاث عائلات مع أطفالها، أما الغرف المنفصلة ذات المطبخ والحمام المشترك فأجرتها تتراوح بين 10 و14 ألف ليرة سورية، يقطنها غالباً طلاب، شخص أو شخصان في الغرفة الواحدة".

 

يقول علاء طالب جامعي: "أدفع 10 آلاف شهرياً أجاراً لغرفة أعيش فيها وحدي ، والمؤجر لايرحم، فقد رفع تسعيرة الإيجار لتصبح 14 ألف، ومن غير المعقول أن يدفعها طالب جامعي لم يعمل حتى الآن، أناشد الحكومة أن تنظر بوضعنا كطلاب جامعات خاصة لايحق لنا السكن في السكن الجامعي".

 

وما يزيد من معاناة المستأجرين، أن المؤجر قادرعلى التحكم بهم، فهم معرضون للطرد في كل شهر، كون معظم عقود الإيجار شهرية، وحينذاك سيضطر المستأجر للبحث عن مأوى جديد، ما سيكلفه دفع مقدار نصف الأجرة لمكتب الوسيط العقاري، فضلاً عن تكاليف تسجيل العقد في البلدية.

بينما يشتكي مواطنون في منطقة أخرى من ريف دمشق من عدم توخي سماسرة العقارت الصدق في تعاملاتهم مع الزبائن، ويؤكد آخرون أن هذه الظاهرة لاتقتصر على فئة محددة من المكاتب.

منى موظفة في القطاع الخاص، تقول إنها تعرضت هي وزوجها لمشكلة أثناء بحثهما عن منزل للإيجار في منطقة جديدة عرطوز، إذ أن المواصفات التي كانا يطلبانها للبيت لا تشبه مواصفات البيوت التي يدلهما عليها السمسار وتقول: "إن غاية السمسار كانت تتمثل بالحصول على النقود فقط وليس تقديم خدمة جيدة لنا، فقد تعاملنا حتى الآن مع 3
مكاتب كان همهم أن نستأجر أي شقة بدون مراعاة المواصفات المطلوبة منا، من أجل أن يحصلوا على نسبة من قيمة الإيجار السنوي".

 

أحمد سمسار عقاري في جديدة عرطوز، رفض تسمية كل المكاتب ب "مكاتب الاحتيال"، إذ يقول "إن الرقابة غير الشديدة على المكاتب العقارية أسهمت في انتشار هذه الظاهرة". ويؤكد أحمد قيامه بدوره كوسيط عقاري بمنتهى المصداقية ولكن الظروف الراهنة هي من فرضت هذه الأسعار.

بدوره عضو المكتب التنفيذي لقطاع الإسكان والتعميرفي محافظة ريف دمشق منير حسيب شعبان قال لنا إن: "ارتفاع أسعار البيوت والإيجارات أمر طبيعي فالسبب انخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع سعر الدولار والغلاء مترافق مع بعضه، فقد كانت تكلفة البناء على الهيكل قبل الأزمة وارتفاع الأسعار حوالي 4-5 آلاف ليرة للمتر الواحد، بينما اليوم تكلفة البناء على الهيكل دون الارض أصبحت أكثر من 17 - 18 ألف ليرة للمتر أي ارتفعت حوالي 4 أضعاف، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة لارتفاع سعر الدولار".

مضيفاً : "نحن كحكومة رفعنا أسعار مواد البناء فقد كان ا طن من الإسمنت يباع ب 6 آلاف ليرة أصبح سعره اليوم 22 ألف ليرة نسلمه كمؤسسة عمران، ناهيك عن ارتفاع أسعار المازوت والبحص، فسيارة البحص كانت 9 آلاف واليوم 60_65 ألف ليرة، الفرق اكثر من 6 أضعاف، كذلك الأمر بالنسبة للحديد فقد كان طن الحديد قبل الأزمة حوالي 30 ألف ليرة اليوم طن الحديد 150 ألف ليرة، بالإضافة إلى ارتفاع أجور اليد العاملة، حيث كان أجر اليد العاملة 500 ليرة واليوم 3000 ليرة".

 

وحول إمكانية ضبط أسعار مواد البناء ومستلزماته، قال شعبان: "نحن غير قادرين على ضبط الأسعار، فالمؤسسة العامة للإسكان هي الجهة الإدارية الوحيدة التي تبني في سورية، وقد رفعت أسعار البناء أيضاً، وكل مشاريعها الحالية بتكلفة كبيرة".

وعن ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في مناطق النزوح الآمنة من ريف دمشق مثل (جرمانا - صحنايا - أشرفيه صحنايا) قال شعبان: "التنقل السكاني جرى بشكل فوضوي وهو تنقل قسري وغير منظم، إذ رافق هذه الفوضى الكثير من المشاكل، سواء بارتفاع العقارات أو المحلات أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية والألبسة والمطاعم، ونحن غير قادرين على التدخل بالأمر وضبط أسعار الإيجارات كمحافظة لأن العقارات ملكية خاصة ولانستطيع إجبار المواطن أو منعه من إيجار منزله أو فرض إيجار محدد عليه". مشيراً إلى أن العقارات مثلها، مثل أيّ سلعة أخرى تباع وتشترى، ترتفع أسعارها عندما يزداد الطلب عليها، والعكس صحيح، فقانون العرض والطلب هو الذي يحدد أسعارها في أسواق البيع والشراء".
 

يبقى الأهم في هذه المعادلة السكنية الصعبة هو المواطن السوري، لأن المسكن يعتبر حق من حقوقه الأساسية سواء كان ملكاً أو إيجاراً متناسباً مع إجمالي دخله لايواء أسرته، أو أنه سيوضع في خانة  المستحيل مع عدم توفر البدائل الأخرى.

مركز الاعلام الالكتروني_فرح مخيبر

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=19882