تحقيقات وتقارير

سلمى.. معاناة مع السرطان تزيد مرارتها الحرب والحظر


سلمى التي لم تتجاوز السابعة من عمرها، تجلس على الكرسي النقّال وجسدها الصغير منهك من جرعات الكيماوي.تجابه المرض بابتسامة لتمضي نحو البداية الجديدة أكثر قوّة، وكأنها تقول أن السرطان ليس نهاية العالم، إنما هو ذلك الجانب المظلم من الألم.

 

فقدت سلمى شعرها، لكنها لم تفقد تفاؤلها، ورغم أنّه ليس من السهل أبداً ابتكار كلّ ذلك الأمل، لكن سلمى لم تسمح لأي صوت سلبي أن ينشأ من حولها، لتخبر أمّها بأنها لا تحتاج إلى الدموع بل الصلوات، ولتثبت أنّ قصّة كل مريض سرطان لا تنتهي بالموت.

 

القوة في مواجهة المرض ضروريّة، لكنها ليست وحدها خلف اجتياز المرحلة، فالتأخّر في تأمين الأدوية يساهم في تردّي حالة المريض.

 

سلمى التي تتلقى العلاج في مشفى الأطفال، هي طفلة من آلاف المرضى السوريين الذين يدفعون ضريبة الحرب وأثرها في تراجع المنظومة الصحية. وإلى جانب خصوصية حالتهم، يواجه مرضى السرطان صعوبات كثيرة خلال رحلتهم للحصول على العلاج، متحدّين ظروف الحرب القاسية، أملاً بأن تتغلب إرادة الحياة على الموت.

 

وتتجسد رحلة المعاناة بصعوبات السفر وتكلفته العالية للوصول إلى المشفى المتخصص في دمشق الذي يؤمن للأطفال الجرعات الخاصة بمرض السرطان، مايجعل الكثير من الأهالي تقرر الانقطاع عن العلاج.

فظروف الحرب والحصار على سورية وفرض المقاطعة  في الأدوية لم يستثني حتى أكثر الحالات الإنسانية حاجة في الحصول على العلاج، فالأدوية جميعها أدوية نوعية مستوردة، وفي ظل عدم وجود بدائل محلية يتم تحصيل الأدوية من إيران والدول الصديقة.

 

لكن الجهات الحكومية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية التي تُعنى بأطفال مرضى السرطان تبذل جهود كبيرة لتأمين الأدوية وتقديم العلاج للأطفال من عمر الولادة إلى عمر 14 عام، ففي طب الأطفال تتكفل "جمعية بسمة لمعالجة الأورام" بتأمين الأدوية التي يعجز المشفى الحكومي عن تأمينها.

 

وحول تأثير مخلفات الحرب في ارتفاع أعداد مرضى السرطان، لا وجود لدراسات علمية واضحة تبيّن هذا التأثير، لكن د. محمد دقسي الطبيب الاختصاصي بأمراض الدم والأورام أوضح أنه يوجد زيادة واضحة بحالات الأورام خاصة في المناطق الساخنة، إضافة لتكرير النفط الذي يقوم به تنظيم "داعش" والذي يؤدي إلى انبعاث مواد مسرطنة، عداك عن سوء التغذية والنظافة، وأكّد د. دقسي أنه "يتم تسجيل أعداد كبيرة وحالات غريبة في إصابات الأورام من مناطق ريف حلب".

 

ويرى د.دقسي أنّ الدعم النفسي ركن أساسي في علاجات الأورام، نتيجة خصوصية المرض وصعوبته، وطول فترة العلاج التي تمتد ربما لسنوات، إضافة إلى أن علاج الكيماوي يتضمن جرعات تجعل الأطفال يميلون للاكتئاب، وأحياناً العنف تجاه الفريق الطبي، كما أن بعضهم يرفض القدوم إلى المشفى ويعتبرونه نوع من التعذيب.

 

كما أنّ الإقامة في المشفى وسقوط الشعر وماتولده الحرب من أزمات نفسية يضاعف الحاجة إلى الدعم النفسي. إلّا أن مشفى الاطفال يفتقد للدعم النفسي الضروري في مواجهة المرض، عدا ماتنظمه "جمعية بسمة" من نشاطات ترفيهية أسبوعياً.

 

العلاج في مشفى الأطفال يتم ضمن خطط علاجية محددة مسبقاً حسب المرض، وفي حال نقص الأدوية في المشفى يتم تحويل الوصفات الدوائية إلى "جمعية بسمة"، لتبلغ نسبة تغطية الدواء 100%.
وتشمل الخطط العلاجية جرعات داخل المشفى إضافة إلى خطط يتم تطبيقها عن طريق عيادات المتابعة دون الحاجة للإقامة بالمشفى.
وبحسب د.دقسي فإن نسبة الشفاء بلغت 30% إلى 40% بإجمالي الامراض كنسبة تقريبية، رغم الانقطاعات وغياب الكثير من المرضى والسفر خارج القطر، أمّا نسبة الوفيات فقدرها بنسبة 15% ضمن الحالات التي يتم علاجها في المشفى.

 

وأشار إلى أن نسبة التعافي من المرض عند الأطفال تكون أفضل من التعافي عند الكبار، فبنية جسد الطفل تتحمّل تطبيق جرعات عالية بتجاوب مذهل، ودون مشاكل.

 

وفي الوقت الذي تبلغ فيه تكلفة العلاج الواحد من 500ألف إلى المليون نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية المرتبط بسعر صرف الدولار يتكفل مشفى الأطفال بتأمين العلاج والإقامة وأجور الأطباء "مجاناً"، ورغم الظروف الصعبة فالعلاج مستمر دون توقف استناداً إلى أحدث الخطط العالمية المتطورة.

 

سلمى اليوم تخوض معركة الألم في عمر لم تعرف فيه بعد معنى الحياة، وفي درب الآلام تزيد الحرب من معاناة طفلة أنهكها المرض .. لكن سلمى لم تتخلى عن الأمل يوماً، لتصبح "خالية من السرطان" مجدداً.

مركز الاعلام الالكتروني_نسرين ترك

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=19868