من بلدي

عمريت: مدينة الأرجوان والأبجدية


الإعلام الالكتروني

معبد عمريت


الموقع:
تقع مدينة عمريت الأثرية جنوبي مدينة طرطوس الساحلية على بعد 7 كم، أما الآن فهي ضاحية منها، ويخترقها نهر صغير معروف باسم نهر عمريت أو نهر مارتياس، وتمتدُّ على مساحة تقدَّر بستة كيلومترات مربعة، وتعتبر من أبرز مدن الساحل الكنعاني – الفينيقي، ويذكر أنها كانت المدينة الرئيسية في القسم القاري من مملكة أرواد، وذكرت النصوص القديمة أنَّ عمريت هي المدينة الرئيسية التابعة لمملكة أرواد الفينيقية، وتمتد البقايا الأثرية التابعة لمدينة عمريت على طول الساحل المتوسطي للمنطقة قبالة جزيرة أرواد.

نبذة تاريخية:
تأسست مدينة عمريت في العصر الأموري في الألف الثالث قبل الميلاد، إلا أن فترة ازدهارها كانت ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وهو عصر ازدهار المدن الفينيقية، واسم «عمريت» أو «أمريت» هو الاسم الكنعاني القديم.
وأول ذكر لها باسم «ماراتوس» يعود إلى نهاية العام 333 ق.م أي في عهد الإسكندر المقدوني، وخلال هذا العهد عرفت المدينة ازدهاراً وغنى كبيراً، إلى جانب جزيرة أرواد. ففي البداية كانت عمريت خاضعة لجزيرة أرواد التي تبلغ مساحتها ما يزيد عن 30 هكتاراً. وقد ذكرت الجزيرة في رسائل تل العمارنة وذكر أميرها، كما ذكرت في بعض النصوص من مصر من القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وضمن هذه النصوص كانت تتم الإشارة إلى اسم «أمورو» وقد قربها الباحثون من عمريت.
وهناك ذكر آخر لعمريت أثناء حملات تحوتمس الثالث (1501- 1474ق.م)، حيث يرد اسم «قرت-أماروتا»، كذلك خلال فترة آشورناصربال الثاني (883-859 ق.م) الذي سيطر على الساحل الجنوبي حتى أرواد وأمورو، وأمورو هذه يقصد بها عمريت.
خلال العصر الفارسي (539- 333 ق.م) شكلت جزيرة أرواد مركزاً رئيسياً للتجارة وسيطرت على الساحل الفينيقي الشمالي والجنوبي وباتجاه الداخل حتى بانياس. وخلال عهد الإسكندر امتلك أمير الجزيرة جميع المناطق والأراضي الساحلية حتى البعيدة منها عن الساحل، وخلال هذه الفترة كما ذكرنا سابقاً عرفت عمريت باسم «ماراتوس» وغدت مدينة مهمة وتابعت تطورها إلى جانب أرواد.
ثم استطاعت عمريت التحرر من سيطرة أرواد الأم في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويروي ديودور الصقلي أن الأرواديين هاجموا المدينة ودمروها في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وتقاسموا أراضيها. ومع قدوم الرومان انتعشت المدينة وعادت للظهور من جديد، وبقيت على هذا الحال حتى العصر البيزنطي.
أما فيما يخص منشآت المدينة، وخصوصاً المعبد، فلم يتم العثور على نصوص أتت على ذكرها. إلا أنه من خلال المكتشفات والبقايا الأثرية، يمكن القول أن المعبد بدأ بأخذ مكانه وممارسة الطقوس الدينية فيه منذ نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت له مكانة مهمة في المنطقة، يأتيه السكان للتعبد والشفاء من الأمراض.

المعبد:
يتوضع المعبد في الجانب الغربي من التل الذي يبعد عن الشاطئ حوالي 2كم، ويحده من الشمال نهر عمريت، وإلى الشرق منه نبع ماء كان يصب ضمن البحرة المقدسة، ويأخذ المعبد شكلاً مستطيلاً منحوتاً ضمن الطبقة الصخرية المطلة على النهر، ويعود تاريخه إلى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد وبداية القرن الرابع قبل الميلاد.
نُحت المعبد ضمن الطبقة الصخرية الطبيعية بمخطط على شكل مربع، وتم تفريغ الداخل لإنشاء بحرة يتوسطها هيكل مرتفع فوق مستوى الماء وهو يرتكز على صخرة تم الحفاظ عليها لهذه الغاية، ويتم الوصول إلى البحرة عبر مدخل كبير يحيط به من كل جانب مدخل على شكل برج مؤلف من طابقين، ومن ثم نجد درجاً هابطاً داخل البحرة.
أما المداخل الجانبية فتفضي إلى الأروقة المحمولة على أعمدة والتي تحيط بالبحرة المقدسة وتطل عليها، وكانت هذه الأروقة تستخدم للطواف حول الهيكل المركزي، كما تم افتراض وجود قوارب صغيرة كانت تستخدم لكبار رجال الدين لإتمام الطقوس الدينية والوصول إلى الهيكل المتوضع وسط البحرة.
بلغت أبعاد المعبد 56.33×49 متراً، بارتفاع 8 أمتار، أما البحرة فتبلغ أبعادها 46×38 سم وعمق 3 أمتار. فيما يخص البحرة فقد تم تشذيب جدرانها الجانبية بشكل عمودي، وجهزت لاستقبال الماء من مسافات بعيدة، فضلاً عن وجود قناة منحوتة بالصخر تمتد من النبع لتصب مياهَها في البحرة. كما تم حفر خزان ماء بالقرب من المعبد وذلك لاستخدامه لحاجات العبادة والطقوس، ويمكن القول أن المصدر الرئيسي لتغذية البحرة بالماء كان النبع، إلى جانب مياه الأمطار.
هذه المياه كانت تحيط بالهيكل الذي يقع في مركز البحرة والذي كان يضم أيضاً تمثال الإله، ولا يزال الهيكل حتى الوقت الحاضر في مكانه (الشكل5)، ويفترض دونان وصليبي أن هذا الهيكل كان موجوداً في البداية قبل البحرة وأنه كان يستخدم في عهد الأخمينيين، ومن ثم تم الحفاظ عليه ودمجه مع المعبد الجديد بعد حفر البحرة، وبناء الأروقة حولها من الجانب الجنوبي والشرقي والغربي محمولة على دعائم مفتوحة باتجاه البحرة، ومسقوفة بواسطة بلاطات حجرية، ويعلوها أيضاً عناصر حجرية مزخرفة على شكل مسننات كانت تطل على البحرة، وهذا العنصر الزخرفي عرفت أمثلته في أغلب مواقع بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر.
طبيعة العبادة التي كانت تتم ضمن المعبد، فالمعبد كان مكرساً للإله ملكارت، وقد دمج لاحقاً مع هرقل، وملكارت هو الشافي من الأمراض، وهذا الإله معروف في أنحاء مختلفة من المنطقة وصولاً حتى تدمر، وأولى الكتابات التي عثر عليها وتذكر اسم الإله هي التي عثر عليها ضمن القناة، وترجمة الكتابة هي "في يد الإله ملكارت"، وفي أرواد عثر على كتابة يونانية تشير إلى ملكارت مع هرمس، وهي مؤرخة بالعام 25ق.م، وتم تمثيل الإله بوضعية الوقوف، القدم اليسرى تتقدم أكثر للأمام، واليد اليمنى تمتد بمستوى الكتف بينما تنسدل الأخرى نحو الأسفل ملاصقة للجسد، وفي هذا التمثيل يرتدي الإله قميصاً طويلاً وحول خصره حزام، كذلك نجد حول الرقبة جلد أسد قوائمه تظهر فوق الصدر وهو رمز هرقل، أما فيما يخص الوجه، فنجده ملتحياً، وفوق الرأس عمرة دائرية الشكل.
من ناحية أخرى، هناك العديد من الكتابات التي تذكر ملكارت، سواء في عمريت أو في أرواد وحتى في مناطق أخرى من فلسطين ولبنان، وهو معروف أيضاً على أنه إله البحر وإله الخصب.
وبالنسبة للطقوس التي كانت تمارس في المعبد، فلم تقدم النصوص المكتشفة معلومات عنها، إلا أنه تم العثور على العديد من اللقى والأواني التي كانت تستخدم لأجل هذه الغاية، فمنها أوانٍ فخارية كانت تستخدم لنقل المياه المقدسة، وأوانٍ لحرق البخور، كذلك تم اكتشاف ثقوب في زوايا أعمدة الأروقة، والغاية من هذه الثقوب هي أن يقوم المريض بوضع إصبع يده فيها، أو أن يعلق فيها بعض النذورات الخاصة كي يشفى من مرضه.
وجد الآثاريون أن هناك تشابهاً كبيراً مع معبد منبج، خصوصاً بما يتعلق بالبحرة المقدسة ومياهها، وقد ذكر لوسيانوس السمسياطي الطقوس التي كانت تمارس في المعبد والبحرة المقدسة، وربما كان هناك تشابه من حيث الطقوس المتعلقة بالبحرة المقدسة، لا سيما وأن هناك تشابهاً حتى الوقت الحاضر في الطقوس والمعتقدات الموجودة حالياً مع ما كان سائداً في العصور القديمة .
المعبد كان مخصصاً للإله ملكارت، وهو الإله المحبوب في المدينة، والإله الشافي، ويمكن القول أنه كان يعتبر إله الطب، خصوصاً بعد أن تم دمجه مع هرقل، وعبادته كانت معروفة في عالم البحر المتوسط.
ومن الضرورة القيام بترميم المعبد، أو على الأقل ما يمكن إظهاره، لا سيما وأن الهيكل ما يزال في مكانه حتى الوقت الحاضر، فضلاً عن البقايا الأثرية الأخرى المهمة في المدينة كالمدافن المحفوظة أيضاً في قسم كبير منها.

الاكتشاف وبداية أعمال التنقيب:
في عام 1697م وصل الرحالة البريطاني هـ .ماوندريل «MAUNDRELL» للموقع ووضع وصفاً أولياً للمعبد الكبير والطبيعة الساحرة للموقع. ثم تلاه رحالة آخر في عام 1745م وهو بوكوكي «POCOCKE»، ووصف موقع المعبد وكيفية نحته في الصخر وجدرانه، وتحدث عن وجود مدخلين للمعبد، كما وصف النهر الذي يجاور الموقع من الجنوب.
أما أولى الأعمال الاستكشافية للموقع ومحيطه فكانت خلال عام 1860م، وهي التي قام بها المستشرق الفرنسي رينان «RENAN» وتمثلت بإجراء عدة أسبار أثرية في مناطق مختلفة من الموقع، وثَّق فيها للمعبد الرئيسي والمدافن وللعديد من المباني المهم .
وإلى جانب رينان كان هناك ماكس برشام «BERCHEM» وإدمون فاتيو «FATIO» الذين تولوا أعمال التوثيق للموقع بالرسومات والصور وأخذ الملاحظات المعمارية.
و مع بداية عهد الانتداب الفرنسي على سورية تابع الأعمال في الموقع بدءاً من عام 1926م الآثاري موريس دونان «DUNAND» وخصوصاً فيما يتعلق بالمعبد، إلى جانب البقايا الأثرية الأخرى للموقع ومنها هيكل بالقرب من المعبد يعرف باسم عين الحية (نافورة الثعابين). وقد تم خلال هذه الأعمال الكشف عن مجموعة من التماثيل النذرية واللقى الأخرى.
توقفت أعمال التنقيب بعد ذلك، لتبدأ مرحلة جديدة بعد استقلال سورية في عام 1954م وذلك من قبل المديرية العامة للآثار، بالتعاون مع الجانب الفرنسي، واستمرت الأعمال ضمن منطقة المعبد، إلى جانب التل الرئيسي للموقع، والمدافن.
وفي عام 1978م تابعت دائرة آثار طرطوس أعمال التنقيبات الأثرية، ولا تزال هذه الأعمال مستمرة حتى الوقت الحاضر، فضلاً عن ذلك تم تشكيل فريق آثاري من قبل المديرية العامة للآثار بالتعاون مع قسم الآثار في جامعة دمشق لمتابعة أعمال التنقيب في الموقع واستكمال أعمال التوثيق والرسم الهندسي.

نسرين ترك

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=34&id=17522