نافذة على الصحافة

أي صاروخ يعبر الأجواء السورية يفتح باب جهنم


ليس متوقعاً من أحد في "العالم الحر" أن يقول عن التردد الأميركي سوى أنه "نتيجة الديموقراطية"، ولن تتوقف التحليلات والنقاشات حول "تأثيرات الرأي العام في أوروبا وأميركا و"العالم الحر"على أصحاب القرار، هكذا، يريدون لنا أن نقبل هزيمة أولية لأميركا وأوروبا في حرب من دون رصاص في مواجهة محورالمقاومة وحليفه الروسي ما الذي حصل، وما الذي سيحصل؟.

بعد دقائق على خروج الرئيس الأميركي باراك أوباما معلناً أنه يريد تنفيذ "ضربة عسكرية محدودة إلى سورية"، ولكنه ينتظرموافقة الكونغرس، تنفس عسكريون وأمنيون من مواقع قيادية رفيعة جداً في الغرب، الصعداء.

لاحظوا أن مبدعي البيت الأبيض أوصوا رئيسهم بأنه مضطرإلى التراجع خطوتين إلى الخلف، وأن بمقدوره رفض المساعدة الروسية والطرف الآخر، والذهاب نحو الكونغرس الذي سيعطيه السلّم الذي يناسبه للنزول عن الشجرة.

لكن هؤلاء، لا يهتمون لكل ما يرد في تقارير الجهات الدبلوماسية، ولا في برقيات وكالات الاعلام العالمية. هم يعرفون أنهم عاشوا خلال ثلاثة أيام اسوأ اللحظات منذ انهيار الإتحاد السوفياتي وحلف وارسو.

قبل وقت غير قصير على العملية الاستخباراتية التي قامت بها اسرائيل والسعودية، والتي شهدت استخدام أسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية، كان الأميركيون ومعهم أوروبا، يناقشون الروس والايرانيين في تسوية سياسية للأزمة، انطلاقاً من إقرارهم بفشل مشروع إسقاط النظام بالقوة.

لكنهم كانوا يطلبون أمراً واحداً: إبعاد الرئيس بشارالأسد، ووصلت العروضات من قبلهم إلى حدود مبازرة الروس بأن يختارالأسد بنفسه من يخلفه في تولي قيادة الفريق الذي يمثله، وأن يخوض هذا الشخص الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ناقش الروس الأمر من زوايا مختلفة، وأجروا مشاورات مكثفة مع القيادة الايرانية، وعادوا وأبلغوا الغربيين بأن لامجال لأي بحث في هذا الأمر، عندها سمعوا من الغربيين أن هذا الجواب يعني إطالة أمد الصراع، ورفع سقف الدعم للمجموعات المسلحة إلى حدود فتح مستودعات الأسلحة النوعية، وتدفق المال وإنشاء معسكرات تدريب خاصة، ثم تولى "الولد السعودي" التعبير بزهو عن تكليفه بجانب رئيسي من هذه المهمة، وانطلقت مهمة إعادة تنظيم الكتائب المقاتلة في صفوف المعارضة، بما في ذلك، إتاحة تغطية لقناة تواصل جدية وعملانية بين رجال بندر وبين تنظيم القاعدة "النصرة" و"دولة الإسلام في العراق والشام".
كان الهدف يقوم على توفير جهوزية تتيح توجيه ضربة قوية للحكومة في دمشق، في منطقتي الشمال والجنوب، والشروع في عملية تصعيد دموي ضد حزب الله في لبنان، وتكثيف عمليات الإغراء لضباط في الجيش السوري من أجل الإنشقاق.
لكن المحور المقابل، لم يكن على علم بالأمر فحسب، بل كانت لديه خططه الأمنية والعسكرية لحماية المنجزات التي حققها الجيش السوري بالتعاون مع حزب الله في أكثر من منطقة سورية، وللبدء بخطة توسيع دائرة شبكة الأمان الخاصة بالعاصمة دمشق، وبعض مناطق الوسط والساحل، وهو ما أثمر عمليات عدة، توجت بقرار "درع العاصمة" التي انطلقت في العشرين من آب الماضي في كل ريف دمشق الجنوبي والشرقي.
عندما أدرك الطرف الآخر الأمر، وبعد فشل "غير مفهوم" بالنسبة للمعارضين في ريف اللاذقية، وجد هؤلاء أن لا مجال لتغيير نوعي إلا من خلال اللجوء إلى عناصر خارج تلك الموجودة على الأرض، وكانت الوصفة، بأن يتم توفير الذريعة المناسبة لقيام حملة دولية واسعة تتوج بعملية عسكرية ضد الحكومة السورية.

وعملت الاستخبارات الاسرائيلية على دعم "رجال بندر" في سورية على تنفيذ "مجزرة الكيميائي" في الغوطة، وخلال أقل من ساعة، انطلقت الماكينة الإعلامية ثم السياسية ثم الدبلوماسية، لتحضير الأرض لا لرفع تدخل عسكري خارجي في سورية، من خلال عملية تشنها الولايات المتحدة بمشاركة دول من اوروبا إضافة إلى تركيا ودول عربية.
عندما وافق الأميركيون، انطلقوا من معطيات تفيد بأن سطوتهم على العالم تتيح لهم تحصيل الأثمان حتى قبل الشروع في العمل، وما إن انطلق الكلام عن "ضربة عسكرية" يعد لها، حتى انطلق الموفدون إلى طهران وموسكو، وكانت الرسالة مقتصرة:"قدموا التنازل السياسي الآن، أوسنأخذه منكم بعد ضربة تنهك الرئيس بشارالأسد".
في الجولة الأولى من المفاوضات، فوجئ الأميركيون ببرودة روسية لافتة، وبكلام إيراني لافت وإن كان بصوت خافت، لكن جوهر الموقفين، أن روسيا وايران لا تجدان أي سبب يدفعهما إلى تقديم تنازلات في الملف السوري.

وترافق الأمرمع إبلاغ الرئيس الأسد كل حلفائه بأنه غير مستعد لأي تنازل، وأنه قرر المواجهة.
في الجولة الثانية، رفع الأميركيون من سقف التهويل، باشروا إرسال الحشود العسكرية، وإطلاق أوسع عملية تحرك للقوات البحرية، ولقواعد جوية في دول محيطة بسورية، وترافق ذلك مع تنشيط ماكينة الضغط النفسي من خلال الاستخبارات ووسائل الإعلام وكل الجهاز الدبلوماسي، وأبلغ الأميركيون روسيا وإيران أن القرار بالعملية العسكرية جدي وليس للتهويل فقط.
ومرة جديدة، جاء الجواب أكثر إحباطاً للجانب الأميركي، قال الروس إنهم لا يعتقدون أن عملية عسكرية يمكنها أن تفيد في تغيير الوقائع، وحذروا الأميركيين من أن عدواناً سيقلب الطاولة فوق رأس الجميع، أما ايران، فرفضت مبدأ النقاش في ما أسماه الغرب "معاقبة الرئيس الأسد وتأديبه"، وأبلغت طهران الوسطاء والموفدين، بأن أي عدوان على سورية يعني فتح معركة واسعة النطاق والمسارح.
وبينما كان الأميركيون ومعهم أوروبا ودول المنطقة يعملون على تنشيط الماكينة العسكرية، لجأت اسرائيل إلى مستوى من الإستنفار الدفاعي – الهجومي، وذلك لمواكبة العدوان، إما حصاداً، أومشاركة في حال توسع رقعة المواجهة.

لكن تل أبيب كانت أقل قلقاً من احتمال المواجهة، لأن الاميركيين قالوا أنهم أبلغوا روسيا وايران أن العملية العسكرية هدفها تغيير التوازنات للذهاب بمعطيات جديدة إلى المفاوضات.
وخلال الأيام الأربعة الماضية، رفع الغرب من وتيرة الإستعداد، وتسربت كل المعطيات الضرورية عن بنك الأهداف، وعن حدود العملية وعن استعداد المجموعات المسلحة لخطة هجوم واسعة ترافق العدوان الأميركي، وعند هذه اللحظة، برزت إلى السطح، وفي سابقة لافتة، غرفة عمليات سياسية ودبلوماسية وعسكرية وأمنية، تمتد من موسكو إلى طهران فدمشق والضاحية الجنوبية في بيروت، وكان واضحاً بالنسبة للجميع أن العملية الغربية تستهدف إسقاط الرئيس الأسد أو تسهيل إسقاطه، وفي الحالتين، تمثل الإنذار الأبرز، ما يعني أن على هذا المحور العمل بقوة لمنع تحقيق العدوان هدفه.
بناءً على هذا التوجه، تقررإعلان الاستنفار العام، روسيا أعطت أوامر إلى عسكرها الموجود قبالة السواحل السورية بالإستعداد لمواجهة جدية، ايران أعلنت الاستنفار العام لقواتها البحرية والصاروخية وسلاج الجو، الجيش السوري نشط الفرق التي لا تشارك في المواجهات القائمة على الأرض، وأقام وحزب الله غرفة عمليات ميدانية تمثلت في وضع القوة الصاروخية على اختلافها في حالة جهوزية غير مسبوقة، وترافق ذلك، مع دعوة المقاومة الإسلامية جميع كوادرها وعناصرها إلى الإلتحاق بمواقعهم، وكان الأبرز في كل ما جرى، تفعيل القوة الصاروخية في كل المنطقة.
ومع اكتمال الجهوزية، وإزاء الإلحاح الأميركي على تنفيذ الضربة ولو شكلياً، اضطر محور المقاومة وبعلم روسيا، إلى "اظهار بعض الأشياء على الأرض وفي البحر، وفي أكثر من منطقة حساسة بالنسبة للأميركيين"، ثم أرفق ذلك برسالة إلى الأميركيين وحلفائهم واضحة وموجزة:"ليس عندنا ما يسمى ضربة محدودة أو رمزية أو شكلية، وأي صاروخ يعبرالأجواء السورية، يعني انطلاقة أوسع حرب شاملة، فيها مستوى عال من الإستعداد حتى لدرجات من الجنون".
كان على الجميع احتواء الموقف، في أوروبا، هناك بيت خبرة عتيق، اسمه الآن بريطانيا، حيث جاء الترياق لحكومة ديفيد كاميرون من مجلس العموم، الذي سهل له الخروج من المأزق، فلا أوقعه في حالة تخاذل إزاء حليفه الأميركي، بأن تركه مصراً على العدوان ومدافعاً عنه، لكنه كبله بطريقة تمنعه من المغامرة.
ومع تسارع كرة الثلج المترددة والخائفة من تدحرج الأمور نحو ما لا يحمد عقباه، كان على الإدارة الأميركية إيجاد المخرج الآني، أي اتخاذ قرار عاجل بتأجيل الضربة ريثما يصار إلى مناقشة المعطيات بطريقة مختلفة واتخاذ القرار النهائي، وفي كل مرة يجد "العالم الحر"حيلته، وهذه المرة استفاق إلى "أهمية الإنصات غلى الرأي العام"، هذا الرأي العام الذي لم يعارض كل الجنون في العقود الثلاثة الماضية.
وخلال دقائق قليلة، اضطر رئيس اميركا إلى إظهار بعض التواضع الغريب عن إدارته، وإعلان العجز عن التحرك أحادياً لتقرير مصير العالم، ورمي الكرة في ملعب الجميع من حوله.
اليوم، تم توضيح المعنى العلماني للفكرة المكرسة منذ عشر سنوات على الأقل، والتي تقول أن "اميركا قادرة ولكنها ليس قدراً".

واليوم، فتح الباب أمام توازن عالمي جديد، صحيح أنه من الضروري مراقبة انعكاس ذلك على الأزمة السورية مباشرة، لكن الصحيح أيضاً، هو وجود مراقبة أثر هذه الفضيحة على آليات قيادة العالم.
أما اوباما، الذي أعطى لنفسه إجازة لساعات أو أيام أو أسابيع، فلم يعد يملك ترف المناورة: إما التراجع والذهاب نحو تسوية، وإما المغامرة والدخول في حرب واسعة وشاملة لا يستطيع الإدعاء بقدرته على التحكم بمصيرها.
في آخر المشهد، صور لصبية الولايات المتحدة في بلادنا، مثل مجموعة الخونة العرب الذين صرفوا أمس فاتورة جديدة لواهب المال الأسود، معلنين من القاهرة، تغطيتهم للعدوان، بينما كان الأزهر يعلن من على بعد مسافة قصيرة، إن ضرب سورية يمثل عدواناً على الأمتين العربية والاسلامية.
وفي أسفل الصورة، يقف متهور، منافق، حاقد، ولئيم، في مواجهة مصيره. يمثل ناهبي الجزيرة العربية الذين يريدون دفع الأمور نحو الحرب الشاملة، لكن فاتهم أنهم سيشهدون فصلاً جديداً في مواجهة الحق العربي.

ابراهيم الأمين - الأخبار اللبنانية

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=1717