تحقيقات وتقارير

سماسرة الحرب يحرقون ميراث الأرض


الإعلام تايم- نسرين ترك

تحت وطأة الحرب تُخترق كل الشرائع وتُستباح محرمات الأرض، هي سورية إذاً.. تهديد حقيقي للثروة الحراجية في حضرة إرهاب طال الحجر والبشر والشجر، في مواجهة صقيع يغزو المنازل ويقتحم العظام حدّ التجمد دون رحمة، وكأنه تواطؤ مستتر بين الحرب والبرد...
خيارات الحصول على الدفء باتت محدودة في ظل إنقطاع التيار الكهربائي لساعات قد تطول، وارتفاع اسعار المحروقات"إنْ توافرت"، بات اللجوء لقطع الاشجار خيار شبه حتمي و ربما شبه مشروع للكثيرين، لكن كما في كل الحروب ينشط تجار الأزمات ممن يرون في الغابات وصفة لربح سريع، و من خلفهم المفسدين الذين يديرون خيوط اللعبة في الخفاء مستغلين حاجة المواطن لشراء ما يحصنه و يقي أطفاله برد الشتاء، هي حلول آنية على حساب مستقبل الأرض.

تجّار الأزمات يجعلون شتاء المواطنن أكثر برودة..
مع بداية الشتاء وتحليق أسعار مستلزمات التدفئة إلى مستويات غير مسبوقة، ستكون كفيلة على ما يبدو بجعل شتائها أكثر برودةً في ظل انعدام الرقابة وجشع التجار الذي يلاحق السوريين إلى صوبيات الحطب، تَعرض الأحطاب في الأسواق والشوارع، خيارات متنوعة من أصنافها بأسعار متفاوتة، لكن الغلاء يبقى المسيطر بشكل يتعذر على أصحاب الأجور المحدودة شراءها، فسعر طن الحطب يتراوح بين 50000 حتى 120000 ل..س حسب النوع و مزاج التاجر ..! في حين أن الدولة ترخص بيع الحطب ليتوقف عليها سعر الطن بـ2500ل.س، مرة أخرى يدفع المواطن الثمن مضاعفاً دون حسيب أو رقيب، و هو يقف عاجزاً أمام تحليق أسعار مستلزمات التدفئة إلى مستويات غير مسبوقة، المواطن أبو أكرم يقول: "اتجهت لشراء الحطب كحل بديل للتدفئة فأنا من أصحاب الأجور المحدودة ، فوجدت أن سعر الحطب يقارب سعر المازوت".
تاجر الحطب أبو أيمن يبرر أن الأسعار المرتفعة تعود إلى ارتفاع أجور النقل و أسعار المحروقات ما يشكل تكاليف إضافية على البائع.
و السؤال هل هذه الزيادة في أسعار الأحطاب تتناسب مع معدلات الربح المعقول؟!!

قانون لضبط التجّار... والتعديات مستمرة
سمح قانون الحراج ضمن تعليماته التنفيذية للمواطنين، ممن يرغبون بإقامة مستودعات حراجية لتخزين و بيع الخشب أو الفحم.
تُمنح الرخص النظامية بعد أن يتم التدقيق عليها في دوائر الحراج والضابطة الحراجية في المحافظات وعلى مستوى المناطق والنواحي للتأكد من الإدخالات والإخراجات.
وعن آلية ترخيص "مستودع إيجار بالمواد الحراجية"، وفقا لمدير الحراج في وزارة الزراعة المهندس وجيه  الخوري أوضح أنه "يتم تقديم الأوراق الثبوتية حول الملكية أو الآجار و حسب الكمية، إذا أكثر من 2طن تحتاج إلى وثيقة أو شهادة للإنتساب إلى غرفة التجارة، إضافة إلى براءة من المخالفات الحراجية. في حال منحه يتم إدخال الأخشاب و الأحطاب المشتراة برخص مقطوعة، ثم تُشاهد السجلات وتصادق من دوائر الحراج والمخفر الحراجي، كما يتم التدقيق على سيارات نقل الأحطاب و مطابقتها مع السجلات، كما يتم التأكد من وجود وثيقة نقل مصدقة من المحافظة ليتم إدخالها و يشاهدها المخفر الحراجي ويصدق على الإدخالات، كما يحدث الكشف بشكل دوري و على كل المستودعات".
و يضيف الخوري "هذه الإجراءات المفروضة.. لكن قد يحدث بعض التقصير في التطبيق العملي، تتم المتابعة و الكشف كل عشرة أيام بشكل دوري، لكن المفروض على الضابطة الحراجية و عناصرها أن يقمعوا كل المخالفات ، و كل مستودع مخالف يتم إغلاقه بعد مخالفتين و يحرم نهائياً من الرخصة".

مساهمات حكومية لتخفيف العبء عن المواطن..
اعترف الخوري بوجود أخطاء و تعديات على أرض الواقع، و قال "نعمل على قمعها بالشكل المستطاع".
العام 2013 وزارة الزراعة مساهمة منها بتخفيف العبء الإقتصادي سكان المناطق القريبة من الغابات، كي لا يقوموا بقطع الأشجار، وجّهت مديريات الزراعة في المحافظات من أجل تخفيف العبء عن المواطنين من خلال بيعهم أحطاب القيد و الفحم بكمية لا تزيد عن 2طن بالنسبة لأحطاب الوقيد و بأسعار معتدلة لا يتجاوز 3000 ل.س حسب نوعه .. بينما يباع في الخارج أضعاف هذا السعر، كما خصصت للأسر حسب البطاقة 2طن في العام .
لكن بعض ضعاف النفوس لازالوا يقومون بالقطع الجائر و غير المرخص .. و أكد "مازلنا نقوم بمصدادرتهم و قمع مخالفاتهم و إحالتهم للقضاء".
و تحدث الخوري عن مشروع قانون الحراج الجديد و قال أنه  في مراحله النهائية ، كما سيرفع قريباً إلى الجهات ذات العلاقة، للعمل على استصداره أصولاً. و يتضمن تشجيع الأهالي على زراعة أشجار حراجية لتنتفع منها إقتصادياً، و لها حق القطع على أن تعيد زراعتها.

الغابات مهددة و القطع على عينك يا تاجر..!

تحتل الغابات في سورية مساحة تصل إلى 513252 هكتارا منها 232840 هكتارا غابات طبيعية والباقي تحريج اصطناعي، و وفقا لمدير الحراج لا إحصاءات دقيقة حول حجم الضرر الذي لحق بالغابات والمناطق الحرجية، إلا أن تقديرات وزارة الزراعة تشير إلى وجود أضرار “ كبيرة جداً” في المساحات الحرجية والغابات، سواء بفعل الحرائق و الأعمال الإرهابية، أو بسبب عمليات قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة، إضافة لبعض ضعاف النفوس ممن يستغلّون الحالة الأمنية للمتاجرة غير المشروعة .

قطع جائر للكثير من الغابات و المحميات و تجارة منظمة، منها محمية البلعاس في محافظة حماة، التي فقدت المئات من الأشجار المعمرة، التي يصل عمرها إلى 100 عام، إضافة إلى الغابات الحرجية الممتدة من منطقة تلكلخ، وصولاً إلى محافظة طرطوس.

كما شهدت غابات الساحل السوري عمليات إحراق متعمدة، كالحريق الذي شب في غابات كسب ومحمية الفرنلق على مساحة 4500 هكتار.
مدير الحراج وجيه الخوري أكّد أن الضابطة الحراجية كقوة عدلية تنفيذية، تقوم بمكافحة و قمع المخالفات لكن الأضرار و التعديات كبيرة بمساحات تجاوزت آلاف الهكتارات خاصة في مواقع كنّا نفتخر بها مثل غابات الفرنلق في اللاذقية و بعض المحميات الموجودة في البادية و البلعاس و محمية جبل عبد العزيز في الحسكة.


حلول آنية.. والمستقبل مجهول
عودة الغابات والمناطق الحرجية إلى الحالة التي كانت عليها قبل الحرب قد يتطلب عشرات العقود، كما سيؤثر على مختلف جوانب الحياة، في وقت يمتد فيه التصحر من الشرق نحو وسط سورية.
هذا يؤكد ضرورة تحمل البلديات مسؤوليتها في معالجة هذه الظاهرة، إذ لا يمكننا في الوقت الحالي أن نلقي باللوم على القوى الأمنية المنهمكة في قضايا أخرى. لكن على خفر الأحراج تفعيل عملهم وتشديد المراقبة والتنسيق مع البلديات التي بدورها عليها رفع الغطاء عن المعتدين.
سورية الدولة ذات الطابع الزراعي، والتي يعرف أبناؤها قيمة الشجرة وأهميتها، خسرت على مدار الأعوام الأربعة الماضية نتيجة الاعتداءات المتكررة نسبة كبيرة من مساحتها الحراجية، و الاستمرار على هذه الحال معناه أننا لن نستطيع أن نورث لأبنائنا سوى الخراب.

حلولٍ بديلةٍ للتدفئة أقلّ كلفة وأكثر وفرة
حلول لتأمين التدفئة يلجأ إليها السوريون كبديل عن الحطب، وإن اختلفت الأسماء من منطقة إلى أخرى "التمز" أو "الجفت" أو "العرجوم"، الذي يتميز بسرعة الاشتعال، والتوفير بالاستهلاك.
تمز الزيتون هو عبارة عن تجميع لبقايا الزيتون المعصور (عجو الزيتون والقشور وبقايا الزيت) تعرّض في حالتها شبه الجافة لأشعة الشمس لفترة قصيرة حتى تجفّ، ثم تكبس وترصّ على شكل قوالب، وتحفظ كما الحطب المقطع، حيث تستهلك في المدافئ التي تعمل على الحطب أو في مواقد النار التقليدية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=14779