أحوال البلد

مدير الآثار والمتاحف: وثقنا الأضرار ولا أتحمل تقصير من سبقني من الإدارات


الإعلام تايم - سناء علي
ماهي حقيقة الآثار السورية المسروقة التي أغرقت الأسواق التركية واللبنانية والأردنية؟ وماهو حجم الخطر الذي تشكّله ورشات التنقيب العشوائي على المواقع الأثرية؟ هل أفرغت المتاحف من القطع النادرة والثمينة، وهل كانت المجتمعات المحلية حاضنة مسؤولة لتراث بلدها وآثاره..؟ أسئلة تطرحها مديرية الإعلام الالكتروني على الجهات المعنية بعد أن أثارها الغيورون على الوطن.
«الآثار ملك الجميع».. شعار رفعه المدير العام للآثار والمتاحف، الدكتور مأمون عبد الكريم، لأن عشرة آلاف موقع أثري تحتاج أعداداً كبيرة من الحراس، وهذا الموضوع يقع على عاتق الجهات المعنية والمجتمع المحلي معاً من وجهة نظره، وعند حدوث أي انتهاك من الصعب استعادته، خاصة المواقع الأثرية، لأنه ستتم سرقة مقتنيات غير مسجلة.
عمليات سرقة ونهب وتهريب للقطع واللوحات والمقتنيات الأثرية لم تعد سراً على أحد بعد ثلاث سنوات من الحرب التي تعيشها سورية، حيث شهدت أسواق الأردن ولبنان وتركيا رواجاً لتجارة الآثار السورية الأصلية وحتى المزيفة منها.
تعرضت المناطق الأثرية أو التي تحمل رمزية تاريخية وحضارية والتي دخلتها ميليشيا المعارضة المسلحة لسيناريوهين من الكارثة، الأول تمثل بالسرقة والنهب والتهريب وأعمال التنقيب غير المشروعة والذي أدى في كثير من الأحيان الى تخريب الموقع وإفقاده قيمته التاريخية ودلالته الأثرية نظراً لاستخدام أدوات غير مسموح بها ولا تلائم أعمال التنقيب الأثري، أما السيناريو الثاني فتمثل بالتدمير المقصود والممنهج لأهم المعالم والمواقع والأضرحة والأسواق ودور العبادة المعروفة والمشهورة بتاريخها الأثري وارتباطها بالذاكرة السورية كجزء من التاريخ والحضارة الإنسانية السورية.
قبل بداية الحرب في سورية، كان هناك حديث عن مشاريع لتوثيق الآثار السورية بشكل إلكتروني يسهل عملية البحث والمتابعة وتأمين القطع الأثرية، خرجت بعض تفاصيل هذه المشاريع الى الإعلام لكن بشكل خجول جداً، ما لبث أن أصبح من الماضي حتى قبل أن يصبح واقعاً !
عن تلك المشاريع تحدث الخبير المعلوماتي "فيكن بوغوص عباجيان" إلى موقع الإعلام تايم بصفته كان جزءاً أساسياً منها.
يبدأ عباجيان حديثه بعبارة اختصرت الواقع الذي وصلنا إليه ويقول: "كنا نسعى لانتصار الوطن انتصاراً ساحقاً تفادياً لهزيمة لاحقة". تعاقدت كخبير معلوماتي مع المديرية العامة للآثار والمتاحف من العام 2002 ولغاية عام 2008، في ذلك الحين لم يكن نظام البرمجيات والمعلوماتية جزء من نظام عمل الآثار والمتاحف، وبدأنا العمل عليه، طبعاً واجهتنا صعوبات كبيرة في البداية كونه خط جديد في العمل، لكن عزينا ذلك لظروف طبيعية ومعوقات روتينية بالرغم من أن معظم البعثات الأجنبية تدخل الى سورية وقواعد بياناتها ونظمها المعلوماتية معها دون أن يعيق عملها شيء.
كان هناك مشروعان لتوثيق الآثار في سورية، الأول مشروع إيطالي بدأ في عام 2004 وانطلق في العام 2007، وهو منحة قدمتها الحكومة الإيطالية الى الدولة السورية لتوثيق الآثار، وزارة الثقافة-مديرية الآثار والمتاحف التي اقترحت بدورها مجموعة من المشاريع لتوظيف المنحة.
المشروع وفق ما شرحه الخبير كان نواةّ لما يشبه "محرك بحث خاص بالآثار" ويتضمن بنيوية معلوماتية متحفية، مصاغة بشكل جيد، تتعلق بالترابطات الخاصة بالقطع والمواقع الأثرية، الكينونة المتحفية وكل ما يتعلق بها من معارض وتبادلات مؤقتة بين المتاحف، إضافة لعمليات الترميم والنقل والتنقيب، دور هذا المشروع وأهميته كان سيظهر في هذه المرحلة تحديداً خاصة بعد ما حصل من تهريب وتخريب وتدمير وسرقة في الكثير من المواقع الأثرية.
كانت قيمة المشروع حسبما صرّح الخبير عباجيان، 10.3 مليون يورو موزعة على المشاريع كافة، مدة المشروع المعلوماتي فيه سنتان، انطلق المشروع المعلوماتي في الشهر السادس من عام 2008 لكن على المستوى الشخصي، يقول عباجيان: "انسحبت منه بعد شهر تقريباً دون متابعة ما جرى بعدها، وذلك بسبب مديرة شؤون المتاحف حينها التي عمدت الى عرقلة المشروع".
يتابع الخبير: "المشروع الثاني لتوثيق الآثار كان في العام 2007 بمنحة من قطر وجهتها الحكومة السورية لأتمتة الآثار، وجدت فيها فرصة للاستفادة من قواعد البيانات والدراسات التي كنت قد أجريتها مسبقاً خلال الإعداد للمشروع الإيطالي، لكن المشروع بدأ يتخذ منحىً بيروقراطياً مملاً جداً بدا أشبه بالمماطلة وبرغم ثقتي بالدولة لكن القصة أخذت وقتاً اكثر من اللازم بكثير فانسحبت منه أيضاً".
هذه المشاريع كانت ستكفل حماية المقتنيات الأثرية السورية مع إمكانية متابعتها والوصول إليها في حال تعرضت للسرقة في أي مكان من العالم بحسب تعبير عباجيان.
العلاقة مع اليونسكو "وردية" وآثار سورية على شفى الكارثة!
حول طبيعة مشاريع التوثيق تلك وحقيقة ما آلت إليه توجهنا بالسؤال إلى الدكتور مأمون عبد الكريم، مدير عام الآثار والمتاحف، الذي نفى بدوره توقف المشاريع أو الغائها وقال:
نحن اليوم وثّقنا عبر (Google earth)  خرائط لكل المواقع التي تم الاعتداء عليها لتوثيق حجم الأضرار التي لحقت بها، لكن هناك مشاريع لتوثيق الآثار لم تنته بعد وبعض المشاريع توقفت أو أُجلت إلى حين انتهاء الأزمة نظراً لأولوية توثيق الأضرار الحالية وللعمل ضمن الامكانات والميزانية المتاحة، سابقاً قدمت إيطاليا منحة لترميم المتحف الوطني، وتوثيق القطع المتحفية في متحف دمشق، وإعادة تأهيل المخابر في المديرية، وتجهيز صالات عرض في المتحف الكلاسيكي بتقنيات حديثة، وأنجز المشروع بالكامل وليس صحيحاً أن المنحة توقفت أو أن المشروع قد ألغي كما روّج البعض، ثم تابعنا عملية التوثيق بالاعتماد على كوادرنا واستطعنا توثيق 23000 ألف قطعة ومازال العمل مستمراً.
وعند سؤال الدكتور مأمون لماذا نوثق الخراب والدمار فيما أغفلنا توثيق الحضارة والأثر قبل وقوع الكارثة، أجاب بأنه لم يكن بالإمكان التنبؤ بما سيحصل وهو شخصياً لا يتحمل تقصير من سبقه من الإدارات، أما عن الدمار والخراب فلم يعد باليد حيلة ...
حول آخر التقارير التي تناولت الوضع الآثري وحالة الآثار والمواقع الأثرية السورية تحدث الدكتور مأمون عبد الكريم مدير الأثار والمتاحف أيضاً لموقع الإعلام تايم قائلاً:"إن المديرية قدمت تقارير دورية وافية ومفصلة عن حجم الأضرار والتخريب الذي لحق بالمواقع الأثرية نتيجة تعرضها لاعتداءات من قبل الجماعات المسلحة وخاصة المجموعات المتطرفة (يقصد النصرة وداعش وأمثالهم)"، لكنه نفى أن يكون هؤلاء المسلحون قد استطاعوا سرقة عدد كبير من قطع الآثار وتهريبها بقصد البيع والإتجار معللاً السبب بأن المديرية قداتخذت إجراءات احترازية وقامت بنقل مقتنيات المتاحف إلى أماكن آمنة لا يمكن أن تطالها أيدي المسلحين، مؤكداً وقوع اختراقين موثقين فقط، أحدهما في متحف الرقة والآخر في متحف دير الزور، كما تعرضت جميع المواقع في منطقة دير الزور لأعمال تنقيب غير مشروعة ولعمليات نهب. وقد وصلت بعض القطع المسروقة إلى أيدي عدد من التجار المحليين والأجانب، أيضاً وقعت حالة سرقة في تدمر في الواحة لكن استطعنا استعادة القطع المسروقة، إذاً الحديث عن أضرار في بضع مئات من المواقع فقط، وليس صحيحاً على الإطلاق أن هناك اختراقات بالألاف في قطاع الآثار حسبما أفاد مدير الآثار والمتحف.
هل يتعاون الانتربول والمنظمات الدولية بشكل إيجابي مع مديرية الآثار؟
في الحقيقة، أفضل علاقة يمكن أن تتبناها المديرية هي مع الانتربول الدولي، هناك علاقات شبه يومية وتبادل معلومات دوري برغم العقوبات والحصار والضغوطات التي تتعرض لها سورية، بالرغم من كل ذلك تصرّ منظمة اليونسكو على أن هناك جهة ثقافية يجب التعاون معها، حتى أنهم أنشأوا صفحة تعنى فقط بآخر المعلومات التي تخص منظومة الآثار السورية، وذلك على موقع اليونسكو الرسمي وباللغات العربية والانكليزية والفرنسية.
كيف هي علاقتكم بمنظمة اليونسكو؟
بشكل أساسي تتلقى المنظمة تقاريرها من مديرية الآثار، لكن إن كان هناك بعض الجهود المحلية من الطرف الآخر فإنهم يأخذون ذلك بعين الاعتبار طبعاً، كما حصل في الجامع الأموي وأسواق حلب القديمة في مدينة حلب، هم كمنظمة ثقافية لايعنيهم من هو الفاعل بقدر ما يعنيهم الفعل، وبحسب ما أعلنوا في أكثر من مناسبة أنهم ليسوا الجهة المعنية بالإدانات إنما هذا اختصاص مجلس الأمن، اليونسكو جهة ثقافية وفي الواقع هناك اختلاف كبير في موقف المنظمة بين بداية الأحداث والآن، بمعنى أنهم باتوا يدركون تماماً من هي الجهة التي تشكل خطراً على الإرث الحضاري السوري، وبدأوا يحترموننا كجهة رسمية تعمل على حفظ هذا الارث، ولا أبالغ إن قلت أن العلاقة الدولية معنا أكثر من وردية، حتى أنني مدعو مع أهم خبراء الآثار في السادس والعشرين من آب القادم لإلقاء كلمة في ملتقى ريمني الإيطالي، الذي سيحضره أكثر من سبعة آلاف شخص مختص ومهتم بالآثار، لكن أحياناً لا تصدر موافقة بحضور هكذا محافل، كما حصل عندما دعيت لحضور الاحتفال بالذكرى الثانية عشرة لتوقيع اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح في حزيران الماضي، وكأنّ هناك من يضع العصي في الدواليب!
تعوّل دائماً على المجتمع المحليّ والحاضنة الشعبية أليس هذا مراهنة بآثار البلاد في بعض المواقع؟
آلاف المواقع الأثرية حماها أبناء المنطقة الموجودة بها، نعم هناك بعض المجتمعات المحلية والأهلية تحوي في نسيجها أشخاصاً يحملون بذرة إجرام وتخريب وهذا حصل في بعض المواقع مثل دير الزور، والرقة وغيرها.. ولكن ما الحل في ظل وجود عدد قليل من الحراس، أو غياب سلطة الدولة بالكامل عن تلك المناطق؟؟ وعند فشل المحاولة مع المجتمع الأهلي نتوجه إلى المجتمع والمنظمات الدولية للضغط على دول الجوار لإغلاق حدودها والقيام بواجباتها تجاه الآثار السورية ومنع تهريب والاتجار بآثارنا.
اذا خرجت قطعة غير موثقة من البلد هل بالإمكان اكتشاف ذلك واثباته لاستعادتها؟
كل القطع الآثرية السورية التي كانت موجودة في متاحفنا موثقة، ولا خوف عليها، لكن في حال عثر اللصوص على قطع في مواقع تنقيب غير مشروعة عندها لا يمكن فعل شيء، وتفادياً لمثل هكذا فعل قمنا بإصدار قائمة حمراء بآثارنا لمكافحة تهريب الآثار السورية وبتمويل أمريكي، وهي عبارة عن "كتالوغ" يحوي نماذج من التراث السوري يكون بمثابة بصمة أو هوية للآثار السورية، بمعنى أنه في حال ضبطت أي قطعة أثرية مسروقة في إحدى دول العالم تقارن هذه القطعة بالسمات المعروضة في القائمة الحمراء لإثبات هويتها.
هل استفدنا من تجربة حرب العراق لتفادي كارثة تاريخية كالتي حصلت في العراق؟
ما حصل في سورية لا يقارن بما حصل في العراق، وحجم الخسائر لا يقارن بما حل فيه، فأميركا دمرت ذاكرة العراق وحاولت تدمير كل آثاره، لكن الوضع هنا مختلف فالجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية تتعامل مع الآثار بجهل، "داعش" على سبيل المثال تدمّر الآثار لأنها تعتبرها أصنام! ونقطة التشابه الوحيدة أن الهدف من كل ما يجري هو تدمير وتشويه وخلق شرخ في الهوية السورية.
كيف هو الوضع الآثري الآن من وجهة نظرك؟
حتى الآن نحن نسيطر على الجزء الأكبر والأهم من ممتلكاتنا الثقافية، وبجهود كادر مديرية الآثار الجبار، لازلنا نواصل عملنا بكل ما أوتينا من صبر وطاقة، لكن لا أخفيك أن الوضع يزداد سوءاً ونحن باتجاه نتائج كارثية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، وأشرح ذلك بالتفصيل في بيان صدر رسمياً عن المديرية، أزودك بنسخة منه.
عالم الآثار الفرنسي المتخصص في الشرق الأدنى القديم أندريه بارو  قال مرة: "لكل إنسان متحضّر في هذا العالم وطنان، وطنه الأم وسورية" .
لعل تلك الكلمات تختصر السرّ الكامن في عظمة تاريخ هذا البلد، فوطن ترتفع فوق ترابه أقدم مدينة في العالم، وهي حلب بحسب منظمة اليونسكو للبحوث التاريخية والأثرية حيث يعود تاريخها إلى ١٢٢٠٠ سنة قبل الميلاد حتى أنها تسبق أريحا بـ١٦٠٠ سنة وتسبق دمشق بثلاثة ألاف سنة، هو وطن الهوية الأولى والحضارة الأولى والانتماء الأول، وآلاف من سنوات التاريخ لا يمكن السماح بالعبث بها والتسليم بضياعها فليكن هذا هو الشعار "آثار الوطن هويتنا.. لنحمي هويتنا".

البيان الصادر عن المديرية العامة للآثار والمتاحف

/PublicFiles/File/torath thakfi.pdf


المشروع الإيطالي لتوثيق الآثار في سورية

/PublicFiles/File/Italian WorkShopp.pdf

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=10&id=11354