تراجع حجم الإنفاق الاستهلاكي على أعياد الميلاد للعام 2022 وعلى مايبدو أن أسواق أعياد الميلاد لهذا العام 2022 في العالم وتحديدا أوروبا ليست ككل عام. فعلى الأقل تبقى تقاليد ضخ أموال تسوق الهدايا في كثير من نواحي القارة أقل بكثير مما كانت عليه قبل أن تصاب اقتصاداتهم بالتضخم وارتفاع مستمر للأسعار وتراجع في الأجور، فيما يحاول البعض التكيف مع الحالة الجديدة، في محاولة للحفاظ على بهجة أعياد الكريسماس والسنة الجديدة.
وبحسب أغلب التقارير الاقتصادية، فإن التفاؤل الذي انتشر بعد بدء تجاوز أزمة جائحة كورونا، وانكماش الاستهلاك بسبب الإغلاقات الطويلة، والحالة النفسية التي أبقت المال في محافظ مواطني السوق الذي يضم نحو 450 مليون مستهلك، نخرته الأشهر التي تلت الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير/ شباط الماضي. الأسعار حلقت، مثلما صار التضخم يتعاظم بنسبة كبيرة في بعض الدول بصورة غير مسبوقة، وبالتالي يصبح "سوق الكريسماس" مجرد "بهرجة فرجة"، وتحسّر، فيما ينشط البعض في تقديم نصائح للحفاظ على بهجة الهدايا التي ينتظرها الصغار بفارغ الصبر.
وهذا العام، من إسكندنافيا شمالاً إلى جنوب القارة، يستشعر مواطنو منطقة اليورو وخارجها، بثقل الأسعار، ليس فقط بالنسبة إلى المواد الغذائية، بل بما يمسّ تقاليد ظلت راسخة منذ أن دخلت "شجرة الكريسماس" في تقاليد القارة (انطلاقاً من ألمانيا) قبل أكثر من قرن ونصف قرن. ينظر عادة الأطفال منذ صباح الميلاد إلى الهدايا المغلفة بأوراق مبهجة، انتظاراً لموعد تقاسمها وفتحها بعد عشاء الميلاد في أكثر المجتمعات.
بالطبع، ثمة صدمة للتسوق هذه السنة. فمشقة الحياة وتكاليفها مستمرة بالتصاعد منذ أشهر، وبشكل يشبهه بعض المؤرخين وكبار السن بفترة الكساد حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث ألقت أزمة الطاقة بظلالها على مختلف نواحي الحياة، وسبّبت ارتفاع الأسعار وصعود معدلات التضخم.
فتراجع القدرة الشرائية للأسر ظل ثابتاً مع معدل تضخم وسطي بنحو 10% في دول الاتحاد الأوروبي، وفي بعضها أعلى بضعف النسبة، مع ملاحظة أن أصحاب المتاجر شكوا أيضاً في فترة إغلاق الجائحة في 2020. فالمسألة لا تتعلق فقط باستنكاف المستهلكين عن بضائع الميلاد، من الهدايا والطعام والحلويات إلى الهدايا بمختلف أنواعها، بل أيضاً بما يسببه ارتفاع تكلفة الإنتاج والتوريد، بفعل زيادات أسعار الطاقة وغيرها.
محاولات "ابتداع" طرق أخرى للتعايش مع حالة الأزمة أنتجت هذا العام كثافة في افتتاح أسواق "أكشاك الميلاد" في مدن أوروبية، على اعتبار أنها قد تكون بديلاً "أرخص" من محلات الأسواق التجارية.
فالتقارير تؤكد أن التضخم يضرب حتى وجبات "عشاء الميلاد". لنأخذ بعض الأمثلة على زيادة الأسعار، فعدا عن أن أسعار الأسماك والمأكولات البحرية تستدعي قلب المستهلكين لشفاههم ورفع حواجبهم عند مشاهدة لوائح التسعير، ارتفعت المشروبات بين 5% و10%، بينما حلّق سعر "كبد الأوز" بنحو 30% على الأقل، وهو ما ينطبق على المحار، كوجبة احتفائية في ليلة رأس السنة الجديدة.
يتبادل المستهلكون الأوروبيون على مواقع التواصل بدائل لموائدهم التي عادة ما يعدونها بمناسبة الميلاد، فبدل البط مرتفع السعر هذا العام، يقترح البعض التوجه إلى لحم الحمل، على سبيل المثال. بعض الأمهات الوحيدات مع أطفالهن وجّهن في الدنمارك نداء طلب معونة ونصائح لكيفية التغلب على تكاليف الميلاد. صحيح أن كثيرات تلقين أموالاً من المؤسسات الخيرية، لكنها ليست دائماً الحل المثالي لبقية الأسر التي لا تستطيع الحصول على تلك المساعدات، وعليها تأمين المستلزمات من راتبها الأساسي، الذي بالفعل تنهشه زيادة تكاليف الحياة اليومية لأشهر قبيل حلول الميلاد.
ويبدي المتخصصون الاقتصاديون في أوروبا خشية من أن يساهم تآكل قدرات الناس في أعياد الميلاد بسبب التضخم وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة إلى مشاهد شبيهة بتلك التي تشهدها بريطانيا على شكل إضرابات واحتجاجات في الشارع.
ويقدم البعض نصائح لمواطنين آخرين عن كيفية الحفاظ على بهجة أعياد الميلاد، ودون الحاجة إلى شجرة ميلاد (من شجر السرو الصغيرة) باستبدالها بشيء آخر توضع عليه الزينة، والتوجه إلى شراء هدايا "ناعمة"، أي بعض الجوارب والملابس الرخيصة للتدفئة في شتاء قارس ومكلف، وغيرها من النصائح الكثيرة عن أطباق الميلاد بصورة مختلفة عن المعتاد.
الحقيقة أن أزمات القارة العجوز لم تقتصر فقط على ارتفاع الأسعار وتغير عادات الأوروبيين فى تناول بعض الاطعمة، بل امتدت لتشمل إغلاق أضواء عيد الميلاد فى المنازل والمدن والأماكن العامة بسبب نقص الطاقة وارتفاع أسعارها، فعلى سبيل المثال، دشنت السويد حملة لترشيد استهلاك الكهرباء، وترشيد الطاقة، فخلال الأيام الماضية، كشفت وسائل الإعلام السويدية، أن بعض البلديات ستقلل من الإضاءة خلال احتفالات عيد الميلاد، من أجل توفير الكهرباء فى شهر ديسمبر المقبل.
وطلبت الحكومة السويدية من الأهالى، اللجوء إلى إطفاء الأنوار، عندما لا يكونون فى المنزل، أو استخدام الحلول الكهربائية الذكية، مثل مستشعرات الحركة للإضاءة الخارجية، لخفض استهلاك الكهرباء.
كذلك، صارت باريس مدينة النور أحدث مدينة أوروبية تعلن عن اتخاذ إجراءات لتوفير الطاقة، فقد قررت إطفاء الأنوار عند برج إيفل، وفى الوقت نفسه، من المقرر أن تطفأ إضاءة المبانى العامة والمتاجر أثناء فترة الليل، كما تم خفض الأضواء المستخدمة فى أعياد الميلاد "الكريسماس" المتغيرة باستمرار فى الشارع، أما فى المستقبل، فسيتم وقف تشغيلها فى الساعة 11:45 مساء، بدلاً من الساعة الثانية صباحاً، كما سينتهى الاحتفال فى الثانى من يناير بدلاً من التاسع من الشهر نفسه.
ولم يختلف الأمر كثيرا فى ألمانيا، إذ قررت أيضا إطفاء إنارة مبانيها التاريخية لترشيد الطاقة، كما تؤجل النمسا إضاءة أسواق عيد الميلاد فى عاصمتها فيينا، وفى إيطاليا، تلقى المواطنين مطالبات بترشيد استخدام الطاقة وخفض الفواتير، بينما طلبت فنلندا من مواطنيها قضاء وقت أقل فى حمامات الساونا، للحفاظ على الطاقة، كما أطفأت المخابز أنوارها احتجاجاً منها على ارتفاع الفواتير.
يشار أن كبريات الصحف الأوروبية أظهرت معاناة الأسر الأوروبية عموماً، قبل الميلاد، وتوقعات الاقتصاديين باستمرارها حتى في 2023. وتحت عنوان "في جميع أنحاء أوروبا، أسعار ترتفع وأجور تنخفض" تناولت صحيفة لوموند الفرنسية في عددها يوم الاثنين الماضي، عمق تأثير التضخم الذي بلغ في المتوسط 10%.