بعد مالي وبوركينا فاسو يأتي انقلاب النيجر ليعزز توجهاً في القارة السمراء بتكنيس الوجود الفرنسي الذي طالما ظل مسيطراً على معظم الدول الإفريقية سنوات طويلة، ورغم وجودها العسكري وكثرة القواعد العسكرية في هذه الدول لم تستطع فرنسا البقاء فيها والتحكم بمصيرها واضطرت لسحب قواتها وإنهاء وجودها، حيث أضحى الاستعمار الفرنسي من الماضي، ولم تنفع أو تجدِ محاولات فرنسا وبمساندة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية نفعاً في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً.
وعلى الرغم من مضي أسبوعين على انقلاب النيجر ومساعي الولايات المتحدة الحثيثة لإعادة الرئيس النيجري السابق بازوم، إلّا أن هذه المساعي فشلت، مع أن واشنطن أوفدت إلى العاصمة النيجيرية معاونة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند للضغط على قادة الانقلاب لكن دون جدوى، حتى إن قائد الانقلاب رفض اللقاء معها عندما زارت العاصمة ميامي، ما يعني الإصرار على تغيير الحكم والالتحاق بركب الدول التي سبقت النيجر، أي بوركينا فاسو ومالي وعدم العودة إلى الوراء.
وحمّلت المعارضة في فرنسا حكومة ماكرون الهزائم الفرنسية في القارة الإفريقية، وأقدمت على احتجاجات شديدة على مستوى البرلمان والشارع، وبات واضحاً أن موجة التخلص من الاستعمار الفرنسي ماضية في عموم القارة الإفريقية، ولن تستطيع فرنسا أن توقفها حتى مع المساندة الأمريكية، حيث تفضل واشنطن أن تحل محل الوجود الفرنسي إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
وبخسارتها النيجر تخسر فرنسا أهم مصدر من مصادر تزويدها باليورانيوم، حيث أعلنت حكومة الانقلاب في النيجر منذ اليوم الأول قطع اليورانيوم عن فرنسا ودول أخرى، وباتت تتخذ قرارات مستقلة بعيدة عن تأثير الدول الأوروبية، وكانت الجزائر سبّاقة في الوقوف مع النيجر برفض الخضوع للإملاءات الأجنبية والتصرف بشكل مستقل.
أحلام المستعمر الفرنسي تتبدد في القارة الإفريقية، كما تبددت أحلام المستعمرين في البلدان الأخرى، وأضحت الدول الإفريقية تتخلص من بقايا المستعمرين وتحرر ثرواتها من قبضتهم، ولا تأبه لأساليب التهديد والوعيد التي كانت تستخدم في ابتزاز تلك الدول، حتى الاستعانة بالتحالفات الاستعمارية لن تنفع في إعادة الدور للدول الاستعمارية في التحكم بمصير شعوب العالم.