أعدت الدكتورة ملكة أبيض" لواء اسكندرون بلدي الصغير" كتاب من منشورات الهيئة العامة السورية، ضمت صفحاته كثيراً من التحولات الاجتماعية والفكرية التي عاشها الشاعرسليمان العيسى بعد أن تعرض لواء اسكندرون مسقط رأسه للاغتصاب من قبل الأتراك.
وأوضحت أبيض أن العيسى ترك لواء اسكندرون وهو لا يزال فتى في المدرسة الإعدادية بعد أن تعرض هذا اللواء لمؤامرة كبيرة سلخته عن أمه سورية وألحقته بالدولة التركية رغم احتجاجات السوريين ورفضهم لذلك.
وبينت أن سورية عندما تعرضت لسلخ اللواء كانت تحت الانتداب الفرنسي لذلك لم تجد جهود الحكومة ولم يحل رفض السوريين دون تنفيذ المؤامرة بل إن المستعمر سار بها حتى نهايتها ضارباً عرض الحائط بالقوانين الدولية وقامعاً الاحتجاجات ثم قام بترتيبات فسح من خلالها المجال للجيش التركي ليقوم باحتلال اللواء فعلياً في 29 تشرين الثاني عام 1939.
وكتبت الباحثة أبيض إن المؤامرة وتداعياتها تركتا في نفس الشاعر تحولات نفسية جديدة دفعته إلى أن يذهب من مدينة أنطاكيا إلى جسر الشغور مشياً على قدميه تحت وطأة الجوع والتعب والألم ثم بعد ذلك انتقل إلى اللاذقية.
وتتابع أبيض في كتابها أن الشاعر المشرد التحق بثانوية جول جمال في الصف الثالث من المرحلة المتوسطة الإعدادية وفي ذلك الحين كان يتطلع بعينين حزينتين إلى ما تهفو إليه اللاذقية وغيرها من البلدان العربية برحيل الغاصبين وتحقيق الاستقلال وهدفهم المنشود بالوحدة العربية حيث كانت النقمة على المستعمر الفرنسي في أوجها يعبر عنها الشعب في مظاهراته في ذلك الحين غادر الشاعر سليمان العيسى ثانوية جول جمال إلى دمشق ليحط رحاله في ثانوية جودت الهاشمي.
وفي ثانوية جودت الهاشمي بدأت العقيدة تنمو ويتماسك نسيجها ولا سيما أن الشاعر سكن بجانب المفكر والمناضل زكي الأرسوزي الذي كان يراه النسغ العربي النقي الذي يسري في العروق الفتية ويزرع فيها الأمان والمستقبل المشرق.
وتتحدث ملكة أبيض في كتابها الذي أعدته عن علاقة الشاعر بلواء اسكندرون لتسجل كثيراً من انعكاسات الألم بعد أن عمد الاستعمار التركي في اللواء لمنع استخدام اللغة العربية وتداولها في الأماكن العامة كما حرم تدريس القران في الكتاتيب باللغة العربية ما دفع الشبان العرب إلى اجتياز الحدود تحت رصاص الأتراك ليواصلوا الحياة على أرض عربية ثانية
وفي بحث الدكتورة أبيض عام 1964 تمكن الشاعر من زيارة قريته النعيرية مع زوجته وأطفاله وعاش لحظات حميمة مع أقربائه وإخوته الذين يعيشون هناك إلا أن الأتراك في العام التالي أدركوا أن سليمان العيسى شاعر نضالي لا يوافق على بقائهم في لواء اسكندرون فمنعوا عودته وكتبوا على جواز سفره "إبطال".
وفي مرحلة متأخرة تتالت دعوات من اتحاد الكتاب الأتراك في أنطاكيا وجل أفراده من العرب لحضور حفلات التكريم التي أقيمت له في قريته فاعتذر عن تلبيتها لأنه لم يقتنع بوجود نوايا حسنة من قبل الأتراك رغم ما كان يطرح من مشاريع يتحول من خلالها منزل أهله في النعيرية إلى مركز ثقافي يحمل اسم سليمان العيسى معتبراً أن كل هذا لا يعني الاعتراف بثقافة اللواء وهويته العربية.
كما جاء في كتاب أبيض كثير من المقالات والكتابات الأدبية التي كتبها شاعر العروبة سليمان العيسى ونشرها في الصحف والدوريات والمجلات حيث لم تختلف تلك المقالات عن كتاباته الشعرية فيما تحمله من عبارات وأفكار تقطر بالألم والشوق كقصة طفولته التي كتبها بعنوان "وائل يبحث عن وطنه الكبير" وهذا الصوت أيقظ قريتنا وهي مقال نشر في الموقف الأدبي.